
في لحظة تاريخية مشحونة بالدماء، يُعاد تسويق خطاب "السلام" في الشرق الأوسط كأنه الخيار الوحيد للشعوب، بينما الواقع الميداني يكشف أن ما يُسمّى بالسلام ليس سوى إعادة هندسة للهيمنة. فالمنطقة التي لم تهدأ منذ عقود، تُدفع اليوم إلى معادلة جديدة: سلام يُفرض من فوق، مقابل واقع دموي مستمر على الأرض.
سلام على الورق.. حرب في الميدان
الاتفاقيات التي تُبرم تحت عناوين "التطبيع" أو "الشراكة الإستراتيجية" لا تُترجم إلى استقرار فعلي. فبينما تروّج الحكومات لنصوص رسمية مليئة بالكلمات المنمّقة عن التعاون، تتواصل المجازر والاقتتال، وتُسلب الشعوب من حقها في السيادة وتقرير المصير. هنا ينكشف التناقض الجوهري: السلام ليس غاية في ذاته، بل غطاء لتثبيت اختلالات القوة.
لعبة الوصاية الدولية
الولايات المتحدة والغرب يقدمان "السلام" بوصفه الحل السحري، لكنه مشروط دائمًا بمصادرة قرار الشعوب. لا يُسمح لأي دولة أو حركة أن تدخل هذه المعادلة إلا بعد نزع عناصر القوة منها. وهكذا يصبح السلام أداة وصاية لا وسيلة تحرر، سلام يُدار من الخارج ليبقى الداخل ضعيفًا ومعزولًا.
منطق الدماء المخفية
ما يُسوَّق في الإعلام كـ"تقدّم دبلوماسي" غالبًا ما يعني تكريس العنف بطرق أخرى. التطبيع العربي مع إسرائيل مثلًا لم يُوقف القصف ولا التهجير ولا الاحتلال، بل منح الغطاء السياسي لاستمراره. أي أن الدماء لا تتوقف، بل تُخفيها أوراق السلام الموقعة خلف الكواليس.
تفكيك الوهم: سلام بلا عدالة = استمرار للحرب
الدرس الجوهري أن أي سلام لا يقوم على العدالة والسيادة الحقيقية هو مجرد مرحلة مؤقتة من الصراع. سلام الإكراه لا ينهي الحرب، بل يمدّدها في صورة أشد تعقيدًا: حروب بالوكالة، حصارات اقتصادية، وتفكك اجتماعي تحت شعار "السلام الدائم".
الخلاصة
الشرق الأوسط لا يحتاج إلى سلام مفروض يُدار من مكاتب القوى الكبرى، بل إلى سلام نابع من توازن حقيقي يضمن السيادة للشعوب. أما ما يُفرض اليوم، فليس إلا إدارة جديدة للفوضى بوسائل دبلوماسية ناعمة، تُخفي الدماء ولا توقفها.