
السلام كخطاب مفرغ من معناه
في الخطاب الإعلامي والسياسي السائد، يُختزل السلام في مفردات شكلية: اتفاقيات، زيارات، أعلام، وشعارات التعايش. لكن هذا السلام لا يقترب من جوهر العدالة، ولا يُعالج الجرح المفتوح في الجغرافيا والذاكرة. بل يُفرض كمنتج جاهز، يتم تسويقه على الشعوب تحت ضغط "الواقعية السياسية" و"المصالح الاقتصادية"، وكأن الاستسلام قدر، والمقاومة ترف ماضوي لا مكان له في خرائط العولمة.
المشروع الصهيوني: بنية عدوان لا بنية تعايش
السؤال المركزي الذي يتم التهرب منه إعلاميًا: هل أُسست إسرائيل لتكون كيانًا مسالمًا؟ الإجابة في وقائع النكبة، وفي ملفات التطهير العرقي، وفي استمرار الاحتلال والاستيطان والجدران والسجون. لم تنشأ إسرائيل كمشروع تعايش، بل كمشروع تفكيك، تم فيه تدمير المجتمع الفلسطيني، وإعادة تشكيل الأرض والهوية والتاريخ بقوة السلاح والدعم الاستعماري. فكيف يمكن لهذا المشروع أن يُنتج سلامًا حقيقيًا؟
التطبيع: إعادة تعريف للعدالة أم إلغاء لها؟
ما يُسمى بـ"اتفاقيات السلام" لم تنهِ الاحتلال، ولم تُعد الحقوق، بل غيّرت تعريف العدل نفسه. أصبحت المقاومة عبئًا، وأُعيد تعريف الضحية، وصار المُحتل شريكًا لا غاصبًا. التطبيع في جوهره ليس إنهاءً للصراع، بل إغلاقًا إجباريًا لملفاته، واستبدالًا للعدالة بالبراغماتية، وللتاريخ بالحاضر المُدجّن.
الإعلام ودوره في هندسة السلام الزائف
تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في صناعة وعي زائف بالسلام. لا تُظهر الاحتلال كجريمة مستمرة، بل كـ"إرث مؤلم" يجب تجاوزه. تُهمّش الذاكرة، وتُختزل فلسطين في مشهد محدود، وتُقدَّم إسرائيل كدولة طبيعية، متفوقة علميًا وأمنيًا، يسري عليها ما يسري على الآخرين. وبهذا، يتحول السلام من مشروع تحرر إلى مشروع اندماج قسري في منطق السيطرة.
خاتمة: السلام ليس نقيض الحرب فحسب، بل ابن العدالة
السلام الحقيقي لا يُبنى على الخراب المسكوت عنه، ولا على دفن الجثث تحت موائد المؤتمرات. لا يمكن الحديث عن سلام حقيقي مع كيان لم يعترف يومًا بجريمته التأسيسية، ولم يقدّم أي التزام بإنهاء الاحتلال، أو الاعتراف بحقوق المهجرين، أو تفكيك نظامه العنصري. فأن تُنهي الحرب لا يعني أنك أحرزت السلام، ما لم تُنصف الضحية، وتفكك بنية الجريمة.