إسرائيل: الطبقية في الكيان.. بنية التفوق العرقي وتناقضات الداخل

عند الحديث عن الكيان الإسرائيلي، غالبًا ما يُختزل النقاش في الصراع مع الفلسطينيين أو في مسألة الاحتلال. لكن في الداخل الإسرائيلي، ثمة واقع اجتماعي طبقي معقّد يخفي في طياته تناقضات بنيوية، تشكّل تهديدًا كامنًا للاستقرار الداخلي. فالكيان الذي تأسّس على دعاوى "التجانس القومي" يعيش في حقيقته تمزقات طبقية وإثنية تتنازع فيه الهويات، وتعيد إنتاج التفوق العنصري نفسه ولكن هذه المرة داخل البيت الصهيوني.

البنية الطبقية: الدولة لمن؟

منذ تأسيس الكيان عام 1948، شُيّدت الدولة لتخدم مصالح اليهود الأشكناز (القادمون من أوروبا)، الذين احتكروا المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وتمّ تهميش الفئات الأخرى، مثل اليهود الشرقيين (المزراحيم) واليهود الإثيوبيين واليهود القادمين من دول عربية، فضلًا عن الفلسطينيين "مواطني الداخل".

فالدولة الصهيونية التي ادعت "عودة اليهود إلى أرضهم" لم تعامل هؤلاء العائدين على قدم المساواة. بل نُظر إلى الشرقيين بازدراء، وكأنهم يفتقرون إلى "الحداثة الأوروبية" التي تبناها المشروع الصهيوني. أما الإثيوبيون، فتم التعامل معهم كعمالة رخيصة، يعانون حتى اليوم من التمييز المؤسسي والعنصرية المجتمعية.

الفلسطينيون داخل الخط الأخضر: طبقة ثالثة مغلقة

رغم حملهم للجنسية الإسرائيلية، يُعامل الفلسطينيون في الداخل كمواطنين من الدرجة الثالثة. يُقصون من المناصب الحساسة، وتُمنع عنهم فرص التنمية المتكافئة، ويخضعون لمنظومة قانونية تعرقل أي صعود اجتماعي جماعي. يعيشون في بلدات مهمّشة، بميزانيات أقل، وبنى تحتية متداعية، وسط سياسات مقصودة لعزلهم ديموغرافيًا واقتصاديًا.

الشرقيون والأشكناز: صراع غير معلن

الشرقيون، الذين يشكّلون اليوم نسبة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي، ما زالوا يعيشون تركة التهميش. فبينما يحتكر الأشكناز المواقع العليا في الجيش، والجامعات، والمراكز السياسية، غالبًا ما يُدفع بالشرقيين نحو أدوار هامشية أو يُستخدمون ككتلة انتخابية في الأحزاب اليمينية دون تمكين حقيقي.

هذا الانقسام يُغذّيه الفارق الثقافي الذي لم يُحتفَ به، بل جرت محاولة مسخه في إطار "بوتقة الصهر" التي فرضها التيار الأشكنازي. وكان ذلك يعني عمليًا: تذويب الشرقيين في ثقافة غريبة عنهم، واعتبار تراثهم عائقًا أمام "الحداثة".

الإثيوبيون: عنصرية داخلية فاقعة

يهود الفلاشا، القادمون من إثيوبيا، يمثلون المثال الأوضح على الطبقية العنصرية. فإلى جانب الفقر والتهميش، يواجهون عنصرية يومية من الشرطة ومن المجتمع، تشمل العنف المفرط والتمييز في فرص العمل والتعليم. ويُنظر إليهم على أنهم "أقل يهودية"، ما يفتح الباب أمام التشكيك الديني في انتمائهم، وهو أمر لا يعاني منه الأشكناز.

الجيش كمُعيد إنتاج للطبقية

رغم أن الجيش يُسوَّق كمؤسسة "صهر وطني"، إلا أنه أحد أبرز أدوات تكريس الفوارق. فالمناصب العليا والمهام المرموقة غالبًا ما تكون من نصيب أبناء الطبقات العليا، بينما يُدفع أبناء الطبقات الدنيا (الشرقيين والإثيوبيين) نحو المهام الميدانية الشاقة والخطرة، دون أي امتيازات لاحقة في الحياة المدنية.

التفاوت الاقتصادي والتوزيع الجغرافي

المدن المركزية مثل تل أبيب وهرتسليا تُعد حكرًا على الطبقة الأشكنازية الغنية، بينما يعيش الشرقيون والفلسطينيون في ضواحي فقيرة ومناطق تعاني من الإهمال المزمن. هذا التوزيع ليس صدفة عمرانية، بل سياسة طبقية ممنهجة تضمن بقاء التفوق الأشكنازي في الهيمنة الاقتصادية والثقافية.

الخلاصة: كيان بلا هوية متماسكة

الكيان الإسرائيلي، رغم كل مظاهره التكنولوجية والعسكرية، يعيش تناقضًا داخليًا عميقًا بين شعارات "الديمقراطية" وواقع الطبقية العنصرية. هذه الانقسامات لا تُهدد فقط العدالة داخل المجتمع الإسرائيلي، بل تضعف تماسكه البنيوي على المدى البعيد، وتكشف أن المشروع الصهيوني الذي وعد بـ"دولة لكل اليهود" قد بني في جوهره على تمييز داخلي لا يقل فتكًا عن استعماره للفلسطينيين.

أحدث أقدم
🏠