سباق الهيمنة: هل نحن على أعتاب نظام عالمي جديد خارج القبضة الغربية؟

منذ نهاية الحرب الباردة، والولايات المتحدة ترسّخ هيمنتها كقطب أوحد يقود العالم سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وفكرياً. لكن مشهد 2025 يشي بتحول جذري: تصدع في داخل الغرب، وصعود متسارع لقوى غير غربية تُعيد طرح سؤال جوهري على طاولة التاريخ: من يملك الحق في رسم شكل العالم؟

الصراع لم يعد مجرد تنافس على الأسواق أو النفوذ، بل هو سباق وجودي على من يصوغ القواعد، القيم، والهويات في عالم ما بعد الأحادية القطبية.

النظام الأحادي يتشظى: النهاية البطيئة لزمن الهيمنة الأميركية

بعد عقود من التمدد الأميركي، بدأت مؤشرات الانحسار تتكاثر:

  • تراجع الثقة بالحلفاء الغربيين بعد انسحابات عشوائية من أفغانستان والعراق.
  • أزمات داخلية متراكمة في الولايات المتحدة (استقطاب سياسي، تفكك اجتماعي، عنف داخلي).
  • عجز اقتصادي متضخم يقابله اعتماد قسري للعالم على الدولار كسلاح اقتصادي.

هذه المؤشرات لم تعد تُقرأ كحوادث متفرقة، بل كأعراض مرحلة أفول حضاري.

الصين وروسيا: قلب الهجوم على مركزية الغرب

الصين لا تسعى فقط لزيادة حجمها الاقتصادي، بل تُعيد صياغة الفكرة ذاتها حول "القوة العالمية".

  • تطرح نموذجاً تنموياً لا يرتكز على الديمقراطية الليبرالية، بل على الانضباط الوطني والسيادة الثقافية.
  • تدفع باتجاه نظام تجاري ومالي بديل، عبر مبادرة الحزام والطريق، وشبكات الدفع العابرة للدولار.
  • تعزز تحالفاتها العسكرية والاستخباراتية مع روسيا، وإيران، ودول في أفريقيا وأميركا اللاتينية.

أما روسيا، فبعد غزو أوكرانيا، ورغم العزلة الغربية، أعادت تثبيت نفسها كفاعل لا يمكن تجاوزه، مؤكدة أن المعادلة الجديدة لا تُصاغ دونها.

النظام المالي العالمي: فكّ الارتباط بالدولار

منذ 1944، سيطر الدولار على التجارة العالمية، وجعل من الاقتصاد الأميركي مصدراً للشرعية الدولية.
لكن اليوم:

  • دول BRICS تدفع لتجارة ثنائية بعملات محلية.
  • روسيا تعتمد على اليوان الصيني في التبادل التجاري بعد تجميد أصولها الغربية.
  • هناك مساعٍ لبناء عملة رقمية مشتركة كبديل عن النظام السويفتي.

لم يعد الدولار مجرد عملة، بل أداة للهيمنة والعقوبات، ومع كل سحب لثقة الدول منه، يُفقد تدريجياً سحره.

الذكاء الاصطناعي: من يملك العقول يملك العالم

الحروب المقبلة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل بالخوارزميات.

  • الصراع على أشباه الموصلات هو صراع على "من يتحكم في الذكاء".
  • الصين تقود سباق التطبيقات المدنية والعسكرية للذكاء الاصطناعي.
  • الولايات المتحدة تحاول خنق نهوضها عبر منع وصولها إلى تقنيات متقدمة.
  • التحكم في الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تفوق تقني، بل تفوق حضاري، لأن من يُبرمج العالم، يفرض رؤيته على طريقة فهمه.

تحالفات تتفكك وأخرى تُبنى: من الناتو إلى بريكس

  • الناتو يواجه أزمة هوية، وتصدّع داخلي بسبب مصالح متضاربة بين أوروبا وأميركا.
  • بريكس، في المقابل، ينمو كتحالف اقتصادي وسياسي عابر للقارات، يحمل ملامح نظام بديل.
  • الشرق الأوسط، أفريقيا، وأميركا الجنوبية، لم تعد تكتفي بدور "التابع"، بل تطرح نفسها كمراكز جديدة في عالم متغيّر.

معركة السرديات: من يحتكر رواية "الخير والشر"؟

أكبر خطر يواجه الغرب اليوم ليس العسكر، بل فقدان السيطرة على السردية.

  • لم يعد الإعلام الغربي مرجعاً عالمياً للخبر أو "الحقيقة".
  • منصات كـ RT، CGTN، الجزيرة، ووسائل إعلام الجنوب العالمي تطرح روايات بديلة.
  • الصراع على تفسير الأحداث – من حرب غزة إلى النزاع في أوكرانيا – يكشف أن "من يروي القصة، يصنع الوعي".

الخاتمة: هل نحن أمام عالم جديد أم فوضى بديلة؟

إن انهيار النظام الأحادي لا يعني بالضرورة ولادة نظام أكثر عدلاً.
فالسؤال الأخطر ليس فقط من سيسيطر، بل بأي منظومة قيم؟
هل نحن أمام تحرر من الهيمنة، أم إعادة تدوير لهيمنة أخرى بثقافة مختلفة؟
في هذا السباق، المطلوب ليس فقط المراقبة، بل التحصين الثقافي والفكري، لأن من لا يملك أدوات النقد، سيتحول إلى تابع جديد لنظام لم يختره.

أحدث أقدم
🏠