
الخطاب المعلن
تتبنّى اليابان خطاب "السلام" والتطوّر المدني، وتُبقي جيشها تحت ما يُعرف بـ"القوة الدفاعية الذاتية"، وفقًا للدستور الذي صيغ تحت سلطة الاحتلال الأمريكي. تروّج لنفسها كأمة "بعد الحروب"، ترفض العنف وتكرّس نفسها للعلم والصناعة، وتُقدّم سياساتها الخارجية في إطار المساعدات الإنسانية والدبلوماسية الاقتصادية، دون أي طموح هيمني.
الجانب المظلم
وراء هذا الخطاب، تتكشّف صورة مغايرة لدولة متقدمة تقنيًا، لكنها محكومة سياسيًا واقتصاديًا بمنطق التبعية الاستراتيجية:
-
تاريخ لم يُغلق: الاحتلال الأمريكي مستمر بشكل ناعم
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حافظت الولايات المتحدة على وجود عسكري كثيف في اليابان، خصوصًا في قاعدة "أوكيناوا"، التي لا تزال أحد أبرز رموز التبعية.
السيادة اليابانية منقوصة، خاصة في السياسات الدفاعية والخارجية، حيث تبقى القرارات الكبرى مرتبطة بموافقة أمريكية غير معلنة. -
التطويع الدستوري لخدمة مصالح واشنطن
الدستور الياباني الذي يمنع شنّ الحروب أو امتلاك جيش هجومي لم يكن نتيجة قناعة داخلية، بل فُرض بعد الاستسلام الكامل.
وعلى الرغم من تنامي القوة التقنية والعسكرية اليابانية، إلا أن قرار استخدامها يبقى مُقيدًا بإرادة الحليف الأمريكي، مما يجعل اليابان لاعبًا خاضعًا ضمن شبكة الاستراتيجيات الأمريكية في المحيط الهادئ. -
الاقتصاد الياباني تحت الوصاية الرأسمالية الغربية
بعد الطفرة الاقتصادية اليابانية في السبعينيات والثمانينيات، شهدت البلاد ما يُعرف بـ"الانفجار الكبير للفقاعة الاقتصادية"، والذي كانت له علاقة مباشرة بتدخلات وضغوط أمريكية هدفت إلى منع اليابان من التفوق الكامل على الصناعات الغربية.
اليابان أُعيد إدماجها في السوق الرأسمالية تحت قواعد تحافظ على التوازن لصالح أمريكا، لا لصالح السيادة اليابانية. -
الصمت السياسي في قضايا العالم
رغم مكانتها، تلعب اليابان دورًا باهتًا في السياسة الدولية. تغيب عن المواقف الحاسمة تجاه القضايا الكبرى، وتمتنع عن اتخاذ مواقف مناهضة للغرب، حتى في قضايا أخلاقية كفلسطين أو التدخلات العسكرية الغربية.
هذا الصمت ليس حيادًا، بل تعبير عن موقعها كمستفيد من النظام، لا كمحرك فيه.
تطوير وعي نقدي: النموذج لا يعني الاستقلال
ينبغي تجاوز الإعجاب السطحي بالنموذج الياباني، وفهمه ضمن سياق عالمي أوسع، حيث تمّ تطويع شعوب بكاملها لتلعب أدوارًا وظيفية في نظام الهيمنة.
اليابان ليست مجرد معجزة اقتصادية، بل هي مختبر سياسي لإنتاج دولة مزدهرة تقنيًا، لكنها فاقدة للقرار السيادي، تقدم الولاء مقابل الحماية، والصمت مقابل النمو.
خاتمة تحليلية
اليابان التي يُنظر إليها كرمز للنهضة، هي ذاتها اليابان التي لا تزال تستضيف قواعد أجنبية على أراضيها، وتُدار استراتيجيتها من الخارج، وتُفرض عليها معايير في السياسة والاقتصاد تحت مظلة "الشراكة".
هي قوة صاعدة في الشكل، ولكنها خاضعة في الجوهر، تُمثّل نموذجًا جديدًا من "الاحتلال الطوعي" تحت راية الاستقرار والنمو.