
الخطاب المعلن
تروّج كندا لسياساتها بوصفها محايدة، قائمة على حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، ودعم الأقليات، وحماية البيئة.
وتُقدّم نفسها كصوت مستقل داخل المنظومة الغربية، لا يخضع للنفوذ الأمريكي، بل يمتلك قراره السيادي، لا سيما في الملفات الأممية والمساعدات الدولية.
الجانب المظلم
وراء هذه السردية الناعمة، توجد دولة تُمارس دورًا وظيفيًا استراتيجيًا يخدم السياسات الغربية الكبرى، دون أن تتحمل تبعات المواجهة المباشرة.
-
الشريك الصامت في تحالفات الهيمنة
كندا عضو في حلف الناتو، وتشارك في العمليات العسكرية والسياسية تحت مظلة الحلف، لكنها تختبئ خلف خطاب "الدعم اللوجستي" أو "المساهمة الرمزية"، ما يُبعدها عن النقد العالمي.
وفي الواقع، تُستخدم كندا كغطاء أخلاقي للتدخلات الغربية، تُضفي على الحروب طابعًا إنسانيًا بسبب صورتها النقية. -
المشاركة غير المباشرة في الحصار والعقوبات
رغم خطابها الحقوقي، تدعم كندا العقوبات الأمريكية والغربية على دول عديدة، من بينها إيران وسوريا وفنزويلا، وتشارك في تضييق اقتصادي لا يخدم حقوق الإنسان بل يُفاقم معاناة الشعوب.
صمتها عن جرائم الاحتلال الصهيوني مثلًا، ومواقفها المنحازة للغرب في الأمم المتحدة، يكشف التحيز المبطّن داخل هذا النموذج "الوديع". -
الهيمنة الناعمة عبر المساعدات والمنظمات
تستخدم كندا المساعدات الدولية كوسيلة تأثير سياسي وثقافي، وتشترط في كثير من الحالات التماهي مع أجندات تتعلق بالنوع الاجتماعي، أو الحكم الرشيد، أو البيئة، وفق المفاهيم الغربية فقط.
المنظمات الكندية العاملة في الدول النامية ليست مستقلة كما تبدو، بل هي أدوات رسمية ناعمة لإعادة إنتاج التبعية، وتغليفها بقشرة إنسانية. -
تاريخ مظلم داخلي: ملف السكان الأصليين
خلافًا لصورتها الخارجية، تخفي كندا واحدة من أبشع صفحات التنكيل بالسكان الأصليين، حيث تعرّضت شعوب الـ"أبوريجينال" لعمليات مسح ثقافي قسري، وتعقيم قهري، وفصل قسري للأطفال عن عائلاتهم في ما عُرف بـ"المدارس الداخلية".
هذه الجرائم لم تُحاسب الدولة عليها بجدية، بل استُبدلت بسردية "المصالحة الوطنية" دون اعتراف حقيقي أو تعويض عادل.
تطوير وعي نقدي: الوجه الآخر للحياد الكندي
الوعي النقدي يقتضي مساءلة حتى النماذج الهادئة. فكندا ليست بمنأى عن لعبة القوة، بل تؤدي دورًا محسوبًا: لا تُحرج الغرب، ولا تُناقض النظام، وتظل تُزيّن واجهته.
القوة الناعمة لا تعني البراءة، بل هي أحيانًا أخطر من التدخلات المباشرة، لأنها تُخدّر وعي الشعوب بدل أن تروّعه.
خاتمة تحليلية
كندا ليست فقط بلد الثلج والضيافة والمهاجرين، بل هي طرف أصيل في بنية الهيمنة العالمية، تؤدي أدوارًا استراتيجية بصمت، وتختبئ خلف أقنعة التسامح والعدالة والبيئة.
فهم هذا الدور يُسهم في كشف حدود الخطاب الإنساني عندما يصبح أداة تجميل لسياسات غير أخلاقية تُدار من خلف الستار.