حرب غزة: الهدنة كأداة إعادة تموضع: كيف يستثمر الاحتلال وقف النار لخدمة مشروعه؟

الحلقة الثالثة: الطغاة المنتصرون لا يتفاوضون. 

الهدنة في صراعات الاحتلال ليست مجرد فترة توقف مؤقتة للنار، بل هي أداة استراتيجية تتيح للطاغية إعادة ترتيب أوراقه، وتحقيق أهدافه بوسائل غير مباشرة. في سياق حرب غزة الأخيرة، يظهر وقف إطلاق النار كخطوة تكتيكية تخفي خلفها استراتيجيات اعادة التموضع، التي لا تقل خطورة عن الحصار والقصف، بل قد تمهد لجولات أعمق وأخطر في المستقبل.

الهدنة.. أكثر من مجرد "راحة"

قد تبدو الهدنة وكأنها فرصة للتنفس للبشر الذين عانوا من ويلات الحرب، لكن على أرض الواقع، فإنها في يد الاحتلال أداة متعددة الوظائف: تجميع القوات، إعادة التسليح، تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي، وإعادة فرض السيطرة السياسية والاقتصادية على غزة من خلال قنوات "السلام الهش".

تمويه وقف النار: فرض واقع جديد

خلال فترة الهدنة، لا تتوقف معركة السيطرة، بل تتحول إلى ساحات أخرى: تحجيم المقاومة إعلاميًا وسياسيًا، زيادة الاعتماد على أنظمة وساطة دولية تشترك في صياغة "الاستقرار" على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. هذه التهدئة ليست استسلامًا للمقاومة، بل استراحة لنقل الصراع إلى مرحلة مختلفة، حيث تُستخدم أدوات أخرى مثل الحصار المالي، والعقوبات الجماعية، والتمييز في إعادة الإعمار.

الهدنة كأداة تغيير ديموغرافي وسياسي

يُستخدم التهدئة أحيانًا لإعادة ضبط التركيبة السكانية عبر فرض قيود متزايدة على الحركة والهجرة والولادة. كما يستغل الاحتلال هذه الفترات لترسيخ أنظمة محلية ضعيفة تمثل واجهة لإدارة السياسة الأمنية، ما يزيد من تفتت وحدة الفلسطينيين ويعمق الانقسام.

مخاطرة التسليم بالهدنة كحل

في غياب رؤية استراتيجية مقاومة شاملة، يمكن أن يتحول قبول الهدنة إلى جسر يعبُر عليه الاحتلال ليفرض وقائع جديدة تبدد ما تبقى من فرص التحرر. هذه المخاطرة تتضاعف حين يستسلم المجتمع الدولي لخطاب "الاستقرار" ويرتضي وضعًا لا يعكس عدالة النزاع، بل يستبطن استمرار الاحتلال.

كيف تواجه المقاومة هذه الديناميكية؟

من هنا تبدأ معادلة المقاومة الحقيقية: ليست فقط مواجهة القصف بالرصاص، بل مواجهة الحصار بالوعي، ورفض إعادة ترتيب الطاولة بما لا يخدم الحق، وتطوير بدائل سياسية واجتماعية تضمن وحدة الصف، وترسيخ صمود فلسطيني لا يُقهر. الهدنة ليست وقفًا دائمًا، بل محطة تستوجب إعادة البناء والنظر بعمق في شروط الصراع.

خاتمة: الهدنة.. بين فرصة لتجنب المزيد من الدماء وفخ لا بد من الحذر منه

بينما تبدو الهدنة فرصة لتقليل المعاناة، فإنها في سياق الاحتلال الإسرائيلي لا تكون إلا سلاحًا يُستخدم لإعادة التمركز على حساب الشعب الفلسطيني. تبقى المقاومة في مواجهة هذه اللعبة حامية لمبادئها، متمسكة بحقها في تقرير المصير، حذرة من الانخداع بالوقفات التي تُغطي أيدي الجلاد.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.