
المعايير: سلاح صامت
المعايير الصناعية، الطبية، أو التقنية ليست مجرد كتيبات إرشاد، بل هي بوابات دخول إلى الأسواق العالمية. من لا يملك المفتاح، يُمنع من الوصول.
- في الصناعة: أي منتج لا يطابق معايير الاتحاد الأوروبي أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) يُمنع من البيع، حتى لو كان آمنًا ومطلوبًا في أسواق أخرى.
- في الطب: أنظمة الترخيص الغربية لا تعترف بالعديد من العلاجات التقليدية، مثل الطب الصيني أو الهندي، رغم آلاف السنين من الخبرة المثبتة.
- في التكنولوجيا: معايير الاتصالات أو الأمن السيبراني قد تُصاغ بطريقة تُقصي المنافسين من دول غير حليفة.
الطب الصيني كمثال
رغم أن الطب الصيني التقليدي يمتلك إرثًا عمره آلاف السنين، إلا أن المؤسسات الطبية الغربية ترفض الاعتراف به رسميًا إلا في نطاق محدود جدًا. السبب ليس فقط الاختلاف في الفلسفة الطبية، بل أيضًا الرغبة في حماية صناعة الأدوية الغربية التي تبلغ قيمتها مئات المليارات. الاعتراف بالطب الصيني على نطاق واسع قد يفتح الباب أمام منتجات وممارسات تُهدد أرباح شركات الأدوية العملاقة.
التحكم في سلاسل التوريد
المعايير لا تعمل فقط كحواجز تنظيمية، بل كأدوات للتحكم في سلاسل الإنتاج والتوريد:
- شركة غربية قد تحتكر براءة اختراع لمكون أساسي، ثم تدفع لفرضه كمعيار عالمي، ما يُجبر جميع المصنعين على شرائه منها.
- القيود التقنية قد تمنع دولة من تصنيع منتج معين إلا إذا حصلت على ترخيص مدفوع من شركة أو حكومة في الغرب.
القوة العسكرية خلف المعايير
قد يبدو أن وضع المعايير عملية بيروقراطية، لكن في خلفية المشهد، هناك توازنات قوى. الدول التي تمتلك قوة عسكرية واقتصادية هائلة تستطيع فرض معاييرها بالقوة الناعمة أو الخشنة. الصين لم تتمكن من فرض معايير في بعض الصناعات (مثل 5G) إلا بعد أن أصبحت قوة عسكرية واقتصادية لا يمكن تجاهلها، وهو ما يذكرنا بأن المعايير ليست فقط مسألة تقنية، بل مسألة سيادة.
الخاتمة
المعايير العالمية قد تكون درعًا لحماية المستهلك، لكنها قد تتحول أيضًا إلى قيد اقتصادي يمنع المنافسة ويكرس تبعية الدول الضعيفة للقوى الكبرى. وفهم هذه الآلية هو خطوة أساسية لفهم كيف يُدار الاقتصاد الجبري الحديث، حيث تُفرض شروط السوق قبل أن تبدأ المنافسة.