داعش: النفط والدم: هل دعمت دول الخليج تنظيم داعش فعلًا؟

منذ أن ظهر تنظيم داعش على مسرح الأحداث بقوة خاطفة، ترافقت صعوده الصاروخي وجرائمه الصادمة مع اتهامات إعلامية وسياسية متكررة لدول الخليج، وخاصة السعودية وقطر، بأنها من موّلته وسهّل ظهوره. 
لكن هذه الاتهامات ظلت تتراوح بين التلميح والتحريض دون أن تُدرس بعمق، أو تُفكك بمسؤولية. 
فهل كانت بعض دول الخليج داعمة حقًا لداعش؟ 
أم أن المسألة أكثر تعقيدًا مما يروّجه الخطاب الإعلامي السطحي؟ 

أولًا: أصل التهمة وسياقها 
بدأت الاتهامات بالظهور مع صعود داعش في العراق وسوريا، ثم تصاعدت عقب اجتياح الموصل 2014. 

وصدرت اتهامات مباشرة من: 
سياسيين أمريكيين وأوروبيين. 
مسؤولين في النظام السوري. 
وسائل إعلام إيرانية ولبنانية. 
صحف غربية استخدمت عناوين من قبيل: “داعش: مولود غير شرعي للنفط الخليجي”. 

لكن هذه الاتهامات كثيرًا ما جاءت في سياقات سياسية منحازة، أو لتصفية حسابات جيوسياسية، دون تقديم أدلة قاطعة على دعم رسمي مباشر. 

ثانيًا: الحقيقة المُعقّدة: شبكة غير رسمية من التمويل 
ما يظهر من التحقيقات الميدانية وتحليلات المراكز البحثية الرصينة هو الآتي: 

لا توجد أدلة موثوقة على أن حكومات الخليج قدّمت دعمًا مباشرًا أو رسميًا لتنظيم داعش. 
لكن، في المقابل، وُجدت شبكات تمويل غير رسمية من أفراد أو جمعيات محسوبة على تيارات متشددة داخل بعض الدول الخليجية، خاصة في بداية الأزمة السورية. 

بعض هذه الجهات جمعت أموالًا باسم “نصرة الشعب السوري”، ثم تسربت لاحقًا إلى جماعات متطرفة مثل النصرة أو داعش. 

أي أن المشكلة لم تكن “في الدولة”، بل في التغاضي المرحلي أو الضعف الرقابي في مواجهة تمويل خاص. 

ثالثًا: الخليج بين الثورة والتطرف 

ما يُغفل كثيرًا هو أن كثيرًا من دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، كانت ضد داعش بعد ظهوره رسميًا، وشاركت في التحالف الدولي لقصفه. 

بل إن السعودية نفسها كانت هدفًا مباشرًا للتنظيم، وتعرضت لهجمات انتحارية داخل أراضيها، وأدرجها التنظيم في قائمة “الأنظمة المرتدة”. 

لكن المشكلة الأعمق كانت في الخطاب الديني الرسمي أو الشعبي الذي ظل يُغذّي لسنوات فكرًا يُشابه الأيديولوجيا الداعشية من حيث: 

تكفير الآخر. 
تجريم التعددية. 
تمجيد العنف الجهادي. 
اختزال الإسلام في الطاعة العمياء والولاء المطلق. 

بهذا المعنى، لم تكن بعض الأنظمة الخليجية داعمة لداعش بالمال، ولكنها أسهمت أيديولوجيًا في تهيئة التربة التي نبت منها هذا الفكر. 

رابعًا: من يستثمر في تهمة “الخليج يدعم داعش”؟ 
هذه التهمة بالذات تحوّلت إلى أداة دعائية بيد خصوم الخليج: 
النظام السوري وحلفاؤه (إيران، حزب الله) روّجوا لها لتشويه الثورة، وتصوير كل معارض للأسد كإرهابي سعودي التمويل. 
الإعلام الغربي استخدمها لتبرير تغاضيه عن المجازر في سوريا والعراق، بإلقاء اللوم على “الخليج الوهابي”. 
الخطاب الإيراني وسّع من استعمالها لتبرير تدخله في العراق وسوريا واليمن بحجة “محاربة الإرهاب السني الخليجي”. 

خامسًا: الخلاصة النقدية 
اتهام الخليج بتمويل داعش ليس دعاية فارغة تمامًا، ولا هو حقيقة ساطعة كما يُراد لها أن تظهر. 

بل هو ملف معقد، يختلط فيه: 
التمويل الشعبي العشوائي ببعض حالات التغاضي الرسمي. 
الخطاب الديني المتشدد بمواقف سياسية متقلبة. 
الدعاية الإقليمية بمخاوف الغرب من حليفه الخليجي. 

إنه مثال صارخ على كيف يُستخدم “الإرهاب” كورقة لإعادة هندسة النفوذ الإقليمي، وتحريف مسارات الثورات، وتبييض جرائم الطغاة. 

كلمات مفتاحية: 
دول الخليج، تمويل داعش، السعودية، قطر، الخطاب الديني، الإرهاب، الإعلام الغربي، إيران، النظام السوري، الثورة السورية، الحرب الناعمة، الوهابية، التدخل الإقليمي. 

وصف الصورة المقترحة: 
خلفية رمزية لخريطة الشرق الأوسط، تُظهر أنابيب نفط متصلة بصندوق أسود عليه شعار داعش، ومن حوله وجوه مبهمة تُخفي ملامحها، وبينها أصابع إعلامية تُشير إلى دول الخليج بشكل مُبالغ فيه.
أحدث أقدم
🏠