داعش: عبور الظلال: من سهّل للمقاتلين الأجانب الانضمام إلى داعش عبر تركيا؟

في واحدة من أكثر فصول الصراع في الشرق الأوسط غموضًا وتجاهلًا إعلاميًا، يبرز سؤال صارخ يتفادى الجميع الإجابة عنه بوضوح: كيف انتقل عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب، تحديدًا من أوروبا، إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق عبر الحدود التركية؟ 

ما من عملية تهريب سرية، ولا جوازات سفر مزوّرة، ولا مغارات مظلمة. 

ما جرى كان انتقالًا علنيًا، منظمًا، سلسًا، تحت أنظار المطارات، ورادارات الاستخبارات، وعبر حدود تسيطر عليها دولة عضو في حلف الناتو، وجيشها في ذلك الحين تحت نفوذ أمريكي مباشر. 

فمن سهّل الطريق؟ 
ولماذا؟ 
ومن المستفيد من هذا التدفق المنهجي للفوضى؟ 

دعونا نقرأ ما وراء المشهد. 

المقاتلون الأجانب: عبور منظم وليس تسلّلًا 
بين عامي 2013 و2016، دخل ما يربو على 40 ألف مقاتل أجنبي إلى سوريا والعراق، معظمهم من أوروبا الغربية والبلقان وروسيا والقوقاز، وبعضهم من دول مثل أستراليا وكندا. 

الطريق شبه الوحيد الذي سلكوه؟ الحدود التركية. 

التذاكر حُجزت علنًا. 
الجوازات كانت رسمية. 
بعضهم سافر مع أسرته. 
كثيرون صرّحوا صراحة بنيّتهم “الالتحاق بالجهاد في الشام”. 

ومع ذلك، لم تمنعهم أي أجهزة أمن أوروبية من المغادرة، ولا اعترضتهم السلطات التركية عند الدخول، ولا رصدهم التحالف الدولي عند العبور. 

هل كان العالم غافلًا؟ أم أن التغافل كان مقصودًا؟ 

لماذا لم يُمنعوا؟ 

أولًا: الاستخبارات الغربية وصناعة الممر 
تقارير استخبارية عديدة، من مصادر ألمانية وفرنسية وأمريكية، أفادت أن وكالات أمنية كـ CIA وMI6 وDGSE كانت على دراية بتحركات هؤلاء المقاتلين. 
وبعض الدول كانت تريد التخلص من هؤلاء “المتطرفين المحليين” بإرسالهم إلى ساحة الصراع في الشرق الأوسط، على أمل ألا يعودوا أبدًا. 
ما حصل هو “تصدير منظم للتطرف”، تمّ عبر تركيا، مع سكوت أو تواطؤ ضمني من الطرفين. 

ثانيًا: تركيا وموازين الربح والخسارة 
تركيا في ذلك الوقت كانت ترى: 
أن سقوط الأسد يخدم مصالحها. 
أن الأكراد (YPG)، وليس داعش، هم الخطر الحقيقي على حدودها. 
أن دعم “الثورة السنية” يُرضي التيارات المحافظة داخليًا، ويمثّل ورقة ضغط إقليمية ضد إيران. 
لذا، غضّت المخابرات التركية الطرف عن عبور هؤلاء المقاتلين، بل سهلت عبورهم أحيانًا عبر شبكات لوجستية محلية بحجج إنسانية. 

ثالثًا: الجيش التركي والنفوذ الأمريكي 
لا يُمكن فهم المشهد دون إدراك أن الجيش التركي حينها كان مرتبطًا تنسيقيًا عميقًا بالناتو والولايات المتحدة. 

فهل يُعقل أن تُفتح حدود الناتو لمقاتلي القاعدة وداعش دون علم مباشر من الأمريكيين؟ 

وهل تُترك طائرات الاستطلاع بلا عمل بينما قوافل المجندين تعبر علنًا؟ 
من المستفيد من هذا العبور؟ 
الولايات المتحدة: استخدمت داعش كمبرر للتدخل العسكري، وإعادة الانتشار في العراق وسوريا، ومنع تشكل نموذج ثوري ناجح في سوريا. 
تركيا: ضغطت على النظام السوري، وحاربت تمدد الأكراد، واحتوت خطر الجهاديين خارج حدودها مؤقتًا. 
النظام السوري وإيران وروسيا: وجدوا في داعش شماعة مثالية لتشويه الثورة، وتحويل الصراع إلى “مواجهة مع الإرهاب”، بدلًا من مواجهة نظام استبدادي. 

ما بعد داعش: عندما ينقلب الوحش على صانعيه 
حين تمددت داعش خارج الحسابات، وهددت الجميع، انقلبت كل الأطراف على التنظيم: 
الولايات المتحدة بدأت قصفه، تركيا بدأت بمحاربته، وأوروبا عاشت رعب العائدين. 
لكن الحقيقة التي تُدفن عمدًا هي أن هذا الوحش لم ينشأ من فراغ، بل من مختبرات السياسة الدولية، وصفقات المخابرات، وصراعات النفوذ الإقليمي. 

خلاصة: فوضى مُهندَسة لا عشوائية 
عبور آلاف الأوروبيين عبر تركيا نحو داعش لم يكن ثغرة أمنية، بل كان مشروعًا مخابراتيًا دوليًا بامتياز، هدفه: 
إغراق الثورة السورية بالتطرف. 
تبرير عسكرة الصراع. 
قتل أي أمل بتحول سياسي حقيقي في المنطقة. 
إنها الفوضى حين تُهندس، لا حين تنفجر عفويًا. 

كلمات مفتاحية: 
المقاتلون الأجانب، داعش، تركيا، الحدود السورية، الاستخبارات الغربية، المخابرات التركية، الناتو، الثورة السورية، تصدير التطرف، فوضى مُهندسة، التدخل الأمريكي، الأكراد، أردوغان، تنظيم الدولة، العبور المنظم. 




وصف الصورة المقترحة: 

خريطة لتركيا وسوريا تُظهر مسارات ملوّنة لعبور آلاف المقاتلين الأجانب، مع أعلام دولهم، وطائرات استطلاع تراقب من الأعلى، وظلال لرجال يرتدون بدلات رسمية ينسّقون خلف الستار.
أحدث أقدم
🏠