
العنوان التاريخي للمأساة: أزمة حصار قطر – يونيو 2017
يُعدّ هذا الحدث الأخطر في تاريخ مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981، إذ أنهى فعليًا وهم الكتلة الموحدة. لم يكن الحصار مجرد خلاف عابر بل عملية مدروسة لعزل قطر سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، بتهمة دعم "الإرهاب"، وهي تهمة لم تُبرهن بمستندات واضحة، لكنها استخدمت كغطاء لخنق خيارات سياسية مستقلة.
الخلفية والسياق السياسي: استقلال القرار القطري
لم يكن الحصار وليد لحظة طيش دبلوماسي. بل جاء بعد سنوات من توتر متصاعد بسبب السياسة الخارجية القطرية، خصوصًا دعمها لثورات الربيع العربي، واحتضانها حركات سياسية إسلامية كانت تشكل تهديدًا وجوديًا للأنظمة المجاورة. رغبت السعودية والإمارات في إعادة هندسة الخريطة الإعلامية والسياسية للمنطقة، فوجدتا في قطر حجر عثرة يجب عزله وإخضاعه.
تفاصيل : حصار بأدوات إعلامية وسياسية واقتصادية
لم تكن الطائرات وحدها ما مُنع من دخول قطر، بل تسونامي إعلامي ضخم حوّل قطر إلى "شيطان سياسي" عبر الشاشات. أُغلقت الحدود، طُرد المواطنون القطريون من الدول المحاصِرة، وحُرمت العائلات الخليجية من التواصل، وقُطعت الإمدادات. لكن الحرب لم تكن عسكرية، بل حرب سرديات: قطر تدعم "الإرهاب"، و"تتدخل في شؤون الدول الأخرى"، في حين كانت الردود القطرية تنادي بالحوار ورفض الإملاءات السيادية.
أدوار المتورطين: تحالف إقليمي بدعم دولي
- النظام المحلي: السعودية والإمارات قادتا الحصار ضمن أجندة تتجاوز قطر نفسها، مدفوعة بهوس السيطرة الإقليمية وكبح الممانعة الإعلامية والسياسية.
- الفاعل الإقليمي: مصر انضمت للحصار بدافع عدائها العميق للإخوان المسلمين والدعم الإعلامي القطري للثورة المصرية.
- القوى الدولية: إدارة ترامب، خاصة في بداياتها، أرسلت إشارات متناقضة، ما منح الضوء الأخضر الضمني للمحاصِرين، رغم وجود قاعدة أمريكية ضخمة في قطر.
النتائج والأثر: تفكك البيت الخليجي
- الخسائر البشرية: تمزّق عائلات، فقد مرضى فرص علاجهم في الدول الأخرى، تشتّت طلاب، وعمّ الخوف من تفاقم الأزمة عسكريًا.
- الصدمة النفسية: كيف يمكن لدول مجلس التعاون أن تتحول فجأة إلى كيانات متناحرة؟
- السياسي: صعود قطر كقوة مستقلة بشكل أكثر حدة، وتعزيز تحالفاتها مع تركيا وإيران، ما شكّل تحولًا استراتيجيًا في توازن القوى الإقليمي.
النسيان المتعمّد: المصالحة لا تعني العدالة
أُعلن عن "المصالحة" في قمة العلا عام 2021، لكن الحقيقة أن جراح الحصار لم تُغلق. لم يُقدَّم اعتذار، ولم يُحاسَب أحد على الظلم الجماعي الذي لحق بآلاف الأسر. المصالحة كانت سياسية بامتياز، هدفها إغلاق الملف وليس معالجته. وهكذا، فُرض النسيان على الشعوب، كما لو أن الحدث لم يكن سوى سحابة صيف.
خاتمة نقدية: حين تتحول الوحدة إلى أداة للقمع
هل كان حصار قطر استثناءً في سجل الانقسامات العربية؟ أم أنه كشف ما هو أعمق: أن الدولة في العالم العربي قد تتحالف مع "الشقيق" ضد "شقيقها الآخر"، إذا ما قرر أن يكون حرًّا؟ خلف الشعارات الوحدوية الزائفة، تقف أنظمة مستعدة لخنق كل صوت خارج عن الطاعة. وهكذا، تُدفن المآسي لا لأن الجرح اندمل، بل لأن السردية الرسمية قرّرت ذلك. في مثل هذه اللحظات، لا يكون الحصار جغرافيًا فقط، بل حصارًا على الوعي.