الكوارث العربية الكبرى: حرب الخليج الثانية: المأساة التي شرعنت الغزو الأميركي للخليج

بين النفط والخذلان العربي.. 

حين تتحوّل الثروات إلى لعنة، والسيادة إلى وهم، يصبح الخليج العربي مسرحًا لتاريخ متكرّر من التدخلات الخارجية باسم "التحرير". في حرب الخليج الثانية، لم تكن المأساة فقط في الاجتياح العراقي للكويت، بل في الطريقة التي أُعيد بها تشكيل المنطقة على مقاسات الهيمنة الأميركية، بمباركة عربية، وسكوت نخبوي، وذاكرة مشوشة بين خيانة ومظلومية. فهل كانت الحرب تحريرًا للكويت، أم شرعنة للاحتلال الأميركي الطويل للمنطقة؟

عنوان المأساة: "حرب تحرير الكويت"... برعاية البنتاغون

هكذا وُصفت الحرب رسميًا، لكنّها كانت في جوهرها لحظة مفصلية أعادت تعريف المشهد السياسي في الخليج. فمنذ أغسطس 1990، حين اجتاحت القوات العراقية الكويت، وحتى انسحاب العراق بعد التدخل الأميركي الكاسح، كانت الحرب أكبر من نزاع حدودي: كانت نقطة انكسار لبنية الإقليم كله.

السياق السياسي: عقدة النفط والأنظمة المهزوزة

قبل الاجتياح، كان هناك تصعيد اقتصادي وسياسي بين العراق والكويت، وسط أزمة ديون عراقية بعد حربه مع إيران. لكنّ الأسباب البنيوية أعمق: صدام حسين ظنّ أنه حامي البوابة الشرقية، ومن حقه أن يُكافأ. بينما الخليج، مدعومًا من واشنطن، أراد عراقًا ضعيفًا بلا تطلعات توسعية. الأنظمة العربية انقسمت: بين متحالف مع صدام، وآخرون هرعوا لحماية عروشهم عبر الاستعانة بأميركا.

المأساة: قصف... حصار... واحتلال

التحالف الدولي بقيادة واشنطن أطلق عملية عسكرية واسعة في يناير 1991. دُمّرت البنية التحتية العراقية، وسُحقت القوات، وتبع ذلك حصار مروّع دام 13 عامًا. استُهدف المدنيون كما العسكريون، وشُيطن العراق إعلاميًا حتى بات يُصوّر كخطر داهم على العالم. المأساة لم تكن فقط في الحرب، بل في ما تلاها: موت مليون طفل بسبب الحصار، ودمار دولة كانت على أعتاب التحول الصناعي.

الأدوار: تواطؤ متعدد الجنسيات

النظام العراقي ارتكب خطأ استراتيجيًا قاتلًا، لكنه لم يكن الوحيد المسؤول. السعودية والخليج فتحوا أراضيهم للقواعد الأميركية، وجامعة الدول العربية شُرعنت التدخل الأجنبي. أما القوى الكبرى، فاستثمرت الحرب لإعادة هندسة المنطقة: فرنسا، بريطانيا، وأميركا لعبت أدوارًا في رسم ملامح شرق أوسط ما بعد الحرب الباردة.

الأثر: من الدولة إلى الأنقاض

الحرب فتّتت العراق نفسيًا واقتصاديًا، ومهّدت لاحتلال 2003. أما الخليج، فرُسّخ كمنطقة حماية أميركية، وأُقيمت فيه قواعد عسكرية دائمة. وأصبح الخطاب الإعلامي الرسمي لا يرى في ما حدث إلا "نصراً لتحرير الكويت"، متجاهلاً الكلفة الأخلاقية والسياسية التي دفعتها الأمة كلها.

نسيان مدبّر: لا محاسبة.. ولا مراجعة

لم يُحاسب أحد من الأنظمة العربية على استدعاء الاحتلال الأجنبي، ولا جرى أي تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف ضد المدنيين. الحصار الذي فُرض على العراق تُرك بلا مساءلة، وملف المجازر طُوي بحجة "الضرورة العسكرية". سُمّي الاحتلال تحريرًا، وسُجن التاريخ خلف جدران الرواية الرسمية.

خاتمة فلسفية: هل يمكن تحرير أرض عبر استعمار أكبر؟

قد يكون الاحتلال مدانًا، لكنّ الاستنجاد بأقوى جيوش العالم لـ"تحرير" أرض عربية يطرح أسئلة وجودية: من يملك الحق في الاستقواء بالأجنبي؟ وهل يُمكن لشعبٍ أن ينسى مأساته حين يُمنع حتى من وصفها؟ إن حرب الخليج الثانية ليست فقط ذكرى، بل عقدة لا تزال تتحكّم بمفاصل الأمن والسيادة في المنطقة حتى اليوم.

سلسلة: الكوارث العربية الكبرى

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡