
قوة في الرمال: ملامح مملكة عاد
تشير كثير من المصادر إلى أن قوم عاد سكنوا منطقة الأحقاف، بين جنوب الجزيرة العربية وظفار في سلطنة عُمان، وربما امتدت مملكتهم إلى أجزاء من الربع الخالي. ويُرجّح أنهم من أوائل الشعوب العربية البائدة التي شكّلت نوعًا من التنظيم الحضاري المرتبط بالبيئة الصحراوية، عبر إنشاء مدن ذات طابع عمراني متقدّم نسبيًا لما قبل الميلاد.
الوصف القرآني لهم بـ"إرم ذات العماد" يعطي لمحة عن حضارة مبنية على أعمدة شاهقة، وهيكل معماري يفوق الخيال مقارنة ببيئتهم الصحراوية. وقد فُسّر ذلك بأنه يشير إلى مدينة ذات مبانٍ ذات طابع ملوكي أو طقسيّ، ما يدلّ على وجود مركزية سياسية وقوة اقتصادية، ربما بُنيت على التحكّم بالممرات التجارية أو موارد المياه.
خطاب الكبرياء والجبروت: أمة العقاب
تُصوّر النصوص الدينية عادًا كقوم طغوا في البلاد، فعصوا نبيّهم هود وتباهوا بقوتهم. هذا الخطاب، الذي يظهر في أكثر من موضع قرآني، لا يُقدّم فقط صورة عن نهايتهم، بل يرسم أيضًا خصائصهم السياسية والاجتماعية: مجتمع متمركز، مغرور بقوته، يمارس الهيمنة على جيرانه، ويرفض أي خطاب إصلاحي.
وبغض النظر عن القراءة الإيمانية التي تنتهي بنهايتهم بسبب العتو، فإن هذا الوصف يُمكن أن يُقرأ سياسيًا بوصفه تحذيرًا رمزيًا من مصير الدول التي تمارس الاستعلاء، وترفض التحوّل أو النقد الذاتي، فيُفنيها التاريخ كما تفنيها الطبيعة.
الأسطورة كتحذير حضاري
تحوّلت قصة عاد إلى رمز يُستدعى كلّما ارتفعت حضارة على أساس الغرور، وكأنها تمثّل النموذج الأوليّ لدولة الجبروت التي تتهاوى فجأة تحت رياح لا تُقاوم. والعجيب أن بقايا هذه المملكة ما تزال غائبة أو غامضة، وكأن العاصفة قد طمست حتى آثارها، فزاد ذلك من ثقلها الرمزي.
ما زالت محاولات تحديد موقع "إرم" قائمة بين فرضيات جيولوجية وأبحاث أثرية، ولكن ربما كانت أعظم قيمة لعاد ليست في آثارها المطمورة، بل في الرسالة الحضارية التي تحوّلت إلى تحذير خالد من مصير الطغاة.
وصف الصورة: منظر صحراوي شاسع تظهر فيه أعمدة حجرية ضخمة نصف مدفونة تحت الرمال، والسماء ملبّدة بغيوم داكنة توحي بعاصفة قادمة، مع آثار مبانٍ مهدّمة تُشير إلى مدينة قديمة طمرها الزمن.
سلسلة: الممالك العربية القديمة