الهاتف الذكي والتسويق الذكي والمستخدم الغبي

في زمن تداخلت فيه التقنية مع كل تفاصيل الحياة، صار الهاتف الذكي أكثر من مجرد أداة اتصال، بل نافذة كبرى تهيمن على وعي الإنسان وتوجه خياراته اليومية. لم تعد المسألة مرتبطة براحة الاستخدام أو سرعة الأداء، بل تحولت إلى معركة صامتة على العقول والجيوب معًا. وهنا يبرز التناقض المرير: ذكاء الهاتف، وذكاء التسويق، مقابل غباء المستخدم الذي سلّم وعيه دون مقاومة.

الهاتف الذكي: من وسيلة اتصال إلى أداة هيمنة

الهاتف لم يعد ملكًا للفرد، بل أصبح أداة تتقاطع فيها مصالح الشركات الكبرى مع سياسات السيطرة الناعمة. كل تطبيق مجاني يخفي ثمنًا باهظًا يُدفع من خصوصية المستخدم وبياناته. ومع اتساع الاعتماد عليه، لم يعد الهاتف خيارًا، بل صار حاجة ملحّة تُفرض على الجميع، ليتحوّل إلى قيد رقمي لا يمكن الانفكاك عنه.

التسويق الذكي: صناعة الحاجة الزائفة

العبقرية الحقيقية تكمن في قدرة التسويق على تحويل منتج عادي إلى رمز اجتماعي. لا أحد يشتري هاتفًا جديدًا من أجل الكاميرا فقط، بل من أجل الصورة الذهنية المصاحبة: أن تكون "حديثًا"، "مواكبًا"، "مختلفًا". التسويق لا يبيع جهازًا، بل يبيع وهمًا، ويحوّل الرغبة إلى ضرورة، حتى يغدو المستهلك أسير دورة استبدال سنوية بلا مبرر سوى الخضوع للسردية الدعائية.

المستخدم الغبي: الوعي المستَلب

الغباء ليس قلة فهم، بل انقياد أعمى. حين يقيس الإنسان مكانته الاجتماعية بماركة هاتفه، أو حين يبدل جهازه لمجرد أن الإعلان أقنعه أن القديم "تخلف"، فهو يكشف عن استلاب حقيقي. في هذه المعادلة، الشركات تفكر، التسويق يخطط، بينما المستخدم يُقاد. لقد صودرت إرادته في الاستهلاك باسم التطور.

المفارقة الكبرى

المفارقة أن التقنية التي وُلدت لتمنح الإنسان خيارات أوسع، أصبحت تحاصره في دائرة مغلقة من الاستهلاك المستمر. والذكاء الاصطناعي الذي صُمم لخدمته، صار خادمًا لرأس المال الذي يعيد تشكيل وعيه وفق مصالحه. النتيجة: هاتف ذكي، تسويق ذكي، ومستخدم يظن نفسه حرًا بينما هو يكرر اختياراتٍ صُممت مسبقًا له.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.