
مفهوم الاقتصاد الجبري
الاقتصاد الجبري ليس مجرد نظرية، بل ممارسة تاريخية وحاضرة. هو مزيج من الإكراه العسكري، والسيطرة المالية، والاحتكار التكنولوجي، وفرض المعايير الصناعية، بحيث تُجبر الدول على قبول صفقات أو شروط تخدم الطرف الأقوى، حتى وإن تعارضت مع مصالحها الوطنية أو خياراتها الثقافية.
يعمل هذا النموذج عبر أدوات متعددة:
- الاحتلال أو التهديد العسكري.
- العقوبات الاقتصادية وحصار الأسواق.
- التحكم في الموارد الحيوية والبنية التحتية للتجارة.
- فرض معايير إنتاج أو استهلاك تعيق المنافسة.
الجذور التاريخية: من الأساطيل إلى المعايير الدولية
بدأت فكرة الاقتصاد الجبري مع التوسع البحري الأوروبي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حين كانت الأساطيل الحربية تفتح الموانئ بالقوة وتفرض على الشعوب المستعمَرة التبادل بشروط المنتصر. ومن أبرز الأمثلة حروب الأفيون التي أجبرت الصين على فتح أسواقها للمخدرات البريطانية، في واحدة من أبشع صور فرض التجارة بالقوة.
اليوم، تغيرت الأدوات لكن الجوهر بقي كما هو: الدبابات تحل محل السفن، والعقوبات الاقتصادية تحل محل المدافع، ومعايير الإنتاج تحل محل الحصار البحري.
الاقتصاد الجبري في القرن الحادي والعشرين
في النظام الدولي المعاصر، لم تعد السيطرة العسكرية المباشرة هي الأداة الوحيدة، بل باتت أدوات "التحكم غير المرئي" أكثر فاعلية:
- العقوبات الدولية التي تخنق الاقتصادات دون إطلاق رصاصة.
- التحكم في التكنولوجيا الفائقة مثل الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.
- المعايير الطبية والصناعية التي تمنع دخول منتجات المنافسين للأسواق الغربية.
- التحكم في الممرات البحرية وسلاسل الإمداد من خلال القواعد العسكرية والأساطيل المنتشرة.
لماذا يبقى الاقتصاد الجبري فعالًا؟
القوة العسكرية تمنح النفوذ، والنفوذ يمنح القدرة على صياغة القوانين والمعايير الدولية، وهذه القوانين تُلبس الهيمنة ثوب الشرعية. وبذلك، تصبح السيطرة الاقتصادية أمرًا مقبولًا في نظر العالم، حتى وإن كانت جوهرها قائمًا على الإكراه.
خاتمة
الاقتصاد الجبري هو الوجه الخفي للعولمة؛ عولمة تُدار بالتهديد والعقوبات أكثر مما تُدار بالمنافسة الحرة. فهم هذا النمط ليس خيارًا، بل ضرورة لفهم السياسة الدولية في جوهرها، ولإدراك أن التجارة ليست مجرد تبادل مصالح، بل هي امتداد لصراع النفوذ والقوة.