
1. خطاب مزدوج: السلام للغرب، التوسع للمنطقة
إسرائيل تراهن على ازدواجية خطابها. أمام الرأي العام الغربي، تظل "دولة مظلومة" تواجه أعداء محيطين بها، طلبة للسلام والأمن. أما على المستوى الإقليمي، فإن الخرائط العلنية والاستفزاز السياسي هي رسالة مفادها أن إسرائيل ليست ملتزمة بأي حدود خارجية إلا تلك التي تخدم مصالحها الاستراتيجية. هذا التناقض ليس عشوائيًا؛ بل جزء من حساب دقيق لطبيعة العلاقات الدولية والإقليمية الحالية.
2. التطبيع: مصالح الأنظمة لا تعكس إرادة الشعوب
تصريحات الضم تشكل اختبارًا مباشرًا لمصداقية التطبيع العربي. إسرائيل تعلم أن الأنظمة التي طبّعت معها لن تتحرك ضدها، رغم غضب شعوبها. التطبيع في معظم الحالات قائم على مصالح اقتصادية وأمنية، وليس على قبول شعبي. هذه المعضلة تظهر التناقض العميق بين المصالح الاستراتيجية للأنظمة وبين الموقف الأخلاقي والسياسي للشعوب، ما يمنح إسرائيل شعورًا بالجرأة للاستفزاز العلني.
3. استفزاز محسوب: اختبار الردود وصياغة الرأي العام
رفع خرائط الضم وتصريحات نتنياهو ليست تهديدًا تنفيذيًا فوريًا، بل أداة لقياس رد الفعل الدولي والعربي. إسرائيل تعرف أن الغضب الشعبي سيبقى في الإعلام ووسائل التواصل، لكنه يفتقر إلى قيادة موحدة قادرة على ترجمة الاستياء إلى فعل استراتيجي. في المقابل، أي رد فعل ضعيف أو شكلي من الأنظمة والحلفاء يُترجم إلى إشارة لمزيد من الحرية في فرض الوقائع على الأرض.
4. إحراج الحلفاء: لعبة السياسة الدولية
الرغم من أن تصريحات الضم تحرج الحلفاء الغربيين، إسرائيل تراهن على الثبات في تحالفاتها الاستراتيجية. إحراج الحلفاء ليس عائقًا، بل أداة اختبار: استمرار الدعم رغم الاستفزاز يعني تأكيد القوة الإسرائيلية وشرعنة الخطوط الحمراء التي يمكن تجاوزها مستقبلًا. إسرائيل بذلك تحول رفض الحلفاء إلى أداة ضغط إضافية، بينما تشدد على موقعها كقوة لا يمكن تجاهلها.
5. الخطر الكامن في التصريحات العلنية
بالرغم من أن إسرائيل تراهن على عدم تحول الغضب الشعبي إلى فعل منظم، إلا أن هذه التصريحات تحمل مخاطر سياسية رمزية كبيرة:
- تقلل مصداقية دعاة التطبيع العرب أمام شعوبهم.
- تضع إسرائيل في مواجهة حتمية مع الرأي العام العربي في المستقبل، ما قد يفاقم الصراع إذا تغير ميزان القوة.
- تكشف عن فشل طويل الأمد في إدارة الانطباع الدولي، حيث الرأي الغربي يرفض الضم لكنه يبقى صامتًا عمليًا، مما يولّد تناقضًا مستمرًا بين القانون الدولي والواقع الميداني.
الخلاصة
تصريحات إسرائيل حول "إسرائيل الكبرى" لا تهدف إلى تنفيذ ضم فوري للأراضي العربية، بل هي أداة سياسية متعددة الأبعاد: اختبار ردود الفعل، تعزيز الموقع الداخلي، فرض تصور جغرافي جديد على الرأي العام، وإرسال رسائل حادة للمطبّعين العرب والحلفاء الغربيين. لكنها في الوقت ذاته تكشف ضعف هذه الاستراتيجية الرمزية، إذ أن الغضب الشعبي العربي واضح، والتوازن بين مصالح الأنظمة والتوقعات الدولية هش.
في المحصلة، ما تفعله إسرائيل اليوم ليس فقط استعراضًا للجرأة، بل تحديًا واضحًا لكل من يدعو إلى التطبيع، مذكّرة بأن أي تحالف قائم على المصالح وحدها قد ينهار أمام الحسابات التاريخية والجغرافية.