سريلانكا: الإفلاس والوصاية الاقتصادية في ظل النفوذ الصيني

شهدت سريلانكا خلال السنوات الأخيرة انهيارًا اقتصاديًا شبه كامل، حتى وصل البلد إلى مرحلة الإفلاس الوطني، حيث لم تعد الدولة قادرة على خدمة ديونها أو تأمين احتياجات شعبها الأساسية. الأزمة لم تكن مجرد نتيجة لإدارة محلية خاطئة، بل نتاج تراكب أزمات داخلية مع صراعات جيوسياسية وإقليمية عميقة، حيث تلعب الصين دورًا مركزيًا في إعادة صياغة الواقع الاقتصادي والسياسي للجزيرة.

انهيار الاقتصاد وأزمة الديون

الأزمة بدأت مع عجز الحكومة عن تحقيق إيرادات كافية لتغطية نفقاتها، خصوصًا بعد سلسلة من الاقتراض الخارجي المكثف لتمويل مشاريع ضخمة، أغلبها مرتبط باستثمارات صينية تحت مبادرة "الحزام والطريق". التضخم وصل إلى مستويات قياسية، وانقطع الوقود والأدوية، مما دفع المواطنين للاحتجاج في الشوارع، بينما تتفاقم البطالة والفقر بشكل حاد.

الموانئ الصينية: استئجار أم استحواذ؟

أبرز ما يثير القلق هو الاتفاقات مع الصين، خاصة استئجار ميناء هامبانتوتا لمدة 99 عامًا بعد فشل الدولة في سداد الديون المرتبطة به. هذا الميناء لم يعد مجرد نقطة لوجستية، بل أصبح أداة نفوذ اقتصادي وسياسي. الصين تضمن بذلك موقعًا استراتيجيًا في المحيط الهندي، بينما تتحول سريلانكا عمليًا إلى دولة تحت وصاية مالية مباشرة، حيث فقدت السيطرة على أصولها الحيوية.

النفوذ الصيني مقابل الاستقلال الوطني

تواجد الصين العميق في الاقتصاد والبنية التحتية للسريلانكا يفتح الباب للتساؤل حول مفهوم السيادة الوطنية في ظل القروض المشروطة والمشاريع العملاقة. الإعلام المحلي يروّج لهذه الاتفاقيات على أنها استثمارات تنموية، بينما الواقع يكشف أن السيطرة الاقتصادية تُترجم إلى ضغط سياسي مستمر على الحكومة، وقد يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة في المستقبل.

الدروس والتحليل النقدي

الأزمة السريلانكية مثال واضح على كيفية استغلال الدين العام والتبعية الاقتصادية كأداة للهيمنة. الحكومة المحلية، رغم وجودها الرسمي، تصبح مجرد منفذ لتنفيذ أجندات خارجية، بينما الشعب يدفع ثمنًا باهظًا من خلال الفقر، نقص الخدمات، وفقدان الفرص الاقتصادية. ما يحدث في سريلانكا يذكّر بالدول الأخرى التي تواجه أزمات مشابهة: أي اقتصاد ضعيف وديون كبيرة يمكن أن يتحول سريعًا إلى أداة للوصاية الدولية.

الخلاصة

سريلانكا اليوم ليست مجرد حالة إفلاس مالي، بل نموذج حي لكيفية استغلال النفوذ الاقتصادي الدولي لإعادة تشكيل السيادة الوطنية. أي قراءة سطحية للحدث تركز على الأزمة الاقتصادية وحدها ستغفل أن القضية تتعلق أكثر بالتحكم في الموارد الأساسية واستراتيجيات النفوذ الجيوسياسية، حيث تتحول الدولة بالكامل إلى ساحة لتصفية المصالح الكبرى تحت عباءة "الاستثمار والتنمية".

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.