الخطة الأمريكية لوقف الحرب: الخصم الذي يتقمص دور الوسيط

لا يمكن التعامل مع أي مبادرة أمريكية لوقف الحروب في المنطقة باعتبارها خطوة حيادية أو وساطة نزيهة. فواشنطن ليست طرفًا خارجيًا يراقب الصراع من بعيد، بل هي الشريك الإستراتيجي الأوثق لإسرائيل، والداعم الأكبر لمشروعها السياسي والعسكري منذ لحظة التأسيس. إن تصوير الولايات المتحدة كوسيط لا يعدو أن يكون خدعة لغوية وسياسية، تخفي وراءها حقيقة الدور الأمريكي كطرف أصيل في المعادلة.

إسرائيل في قلب القرار الأمريكي

كل ما يُطرح من خطط ومبادرات يحمل بصمات إسرائيلية مباشرة، سواء في تحديد شروط وقف إطلاق النار أو في صياغة الضمانات. فواشنطن لا تتحرك إلا بما يحقق أمن إسرائيل ويمنع أي مكسب إستراتيجي لخصومها. لذلك ترافق تل أبيب دائمًا هذه "المبادرات"، ليس فقط بوصفها المعنية الأولى، بل لأنها شريك في صياغة البنود والمخرجات.

مسرحية الوساطة

حين يظهر رئيس أمريكي، مثل ترامب، بمظهر "صانع السلام"، فهو في الحقيقة يعيد إنتاج دور قديم: فرض وصاية على الأطراف الأخرى تحت غطاء الحلول السياسية. هذا الدور يقوم على معادلة ثابتة: حماية إسرائيل، وإعادة ضبط موازين القوى، وتجميد أي فرصة لمشروع مقاوم أو مستقل يهدد النظام الإقليمي المرتبط بالهيمنة الأمريكية.

جوهر الاستراتيجية الأمريكية

الولايات المتحدة تستخدم خطاب الوساطة كأداة شرعنة. فهي الخصم الذي يقدّم نفسه حكمًا، ويمنح لنفسه حق رسم حدود الصراع ومآلاته. وفي كل مرة، يتم إفراغ "وقف الحرب" من أي مضمون حقيقي يخدم الشعوب، ليصبح مجرد إعادة تدوير للأزمة بشكل يطيل عمر النفوذ الأمريكي ويؤمن التفوق الإسرائيلي.

الخلاصة

المسألة ليست تناقضًا بين دور الخصم والوسيط، بل هي استراتيجية مقصودة. فـ "المسخرة" –كما يراها الكثيرون– هي في الواقع آلية مدروسة: خصم يلبس قناع الوسيط، ليضمن بقاءه صاحب الكلمة الأخيرة في تقرير مصائر المنطقة.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.