
السيطرة الأمريكية: من العسكر إلى المال
سيطرة واشنطن على أمريكا الجنوبية لم تكن مجرد نفوذ سياسي، بل شبكة متكاملة من أدوات الهيمنة:
- دعم الانقلابات العسكرية ضد أي حكومة متمردة.
- الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كأدوات ابتزاز مالي.
- اتفاقيات تجارية تجعل القارة سوقًا مفتوحة للبضائع الأمريكية.
- قواعد عسكرية استخباراتية تحت شعار "محاربة المخدرات والإرهاب".
هذه المنظومة جعلت دولًا بأكملها رهينة القرارات القادمة من واشنطن.
تغييرات سياسية تكسر الصمت
السنوات الأخيرة شهدت عودة موجة يسارية في القارة (البرازيل، تشيلي، كولومبيا، بوليفيا، المكسيك). هذه الموجة تعلن خطابًا مغايرًا: تنويع الشركاء الدوليين، التقارب مع الصين وروسيا، والتلويح بالابتعاد عن الدولار. لكن التجربة أثبتت أن الصدام مع واشنطن ليس سهلًا، وأن أي محاولة تحرر تواجه رد فعل سريعًا: حصار اقتصادي، دعم المعارضة الداخلية، أو هندسة اضطرابات سياسية.
القوى العالمية الجديدة: فرصة أم فخ؟
- الصين: تستثمر بقوة في البنية التحتية والطاقة، وتطرح نفسها كبديل اقتصادي عن واشنطن.
- روسيا: تعرض السلاح والطاقة، وتفتح مجالًا لتحالفات سياسية خارج هيمنة أمريكا.
- بريكس: يقدَّم كمنصة عالمية تتيح لأمريكا الجنوبية التحرر من سطوة الدولار.
لكن التحدي يكمن في أن الانتقال من التبعية الأمريكية قد يتحول ببساطة إلى تبعية جديدة إذا لم تُبنَ سياسات داخلية قوية ومستقلة.
السيناريوهات الأقرب للتغيير
-
الاستمرار في التبعية:
النخب المرتبطة بالغرب والديون المتراكمة قد تُبقي القارة تحت الهيمنة الأمريكية لعقود أخرى، مع مساحة ضيقة للمناورة. -
التحرر الجزئي التدريجي:
عبر تنويع الشركاء، استخدام العملات المحلية أو اليوان في التجارة، وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن خلق استقلالية نسبية تقلّص من سطوة واشنطن دون كسرها كليًا. -
التحرر الجذري:
وهو السيناريو الأكثر طموحًا، يقوم على تشكيل كتلة موحدة (مثل اتحاد لاتيني حقيقي) والتحالف مع قوى صاعدة لتغيير ميزان القوى. لكنه يظل الأصعب، إذ يحتاج قيادة قوية وتماسكًا شعبيًا يواجه الضغوط الداخلية والخارجية.
الخلاصة
أمريكا الجنوبية أمام لحظة تاريخية فاصلة. الرضوخ للسيطرة الأمريكية لم يعد قدرًا محتومًا، لكن التحرر لا يتحقق بالشعارات ولا بالتحالفات الظرفية، بل ببناء قرار سيادي داخلي، وحدة إقليمية صلبة، واستراتيجية تحالفات ذكية. العالم يتغير، والقوى الصاعدة تمنح القارة فرصة تاريخية. السؤال: هل تمتلك شعوب أمريكا الجنوبية الشجاعة لتغتنمها، أم ستظل عالقة في دائرة التبعية إلى أجل غير معلوم؟