
مع إعلان وقف إطلاق النار الأخير في غزة، وترويج بعض الأطراف، بما في ذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لفكرة أن الحرب “انتهت”، يظل السؤال الأساسي: هل انتهت الحرب فعليًا بمعنى استقرار مستدام، أم أننا أمام مرحلة مؤقتة ضمن خطة أكبر لم تكتمل بعد؟ الواقع يشير إلى أن الوقائع على الأرض توحي بوقف نار مرحلي، مع اتفاقيات مبدئية محفوفة بالشكوك، بينما يبقى احتمال استئناف العمليات العسكرية قائمًا.
وقف النار الحالي: مؤشرات على التهدئة
هناك عدة مؤشرات على وجود تهدئة مؤقتة في غزة، لكنها لا تمثل سلامًا دائمًا:
-
تبادل الأسرى والانسحاب الجزئي: تم التوصل إلى اتفاق للمرحلة الأولى من خطة ترامب، يتضمن تبادل الأسرى وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق غزة. هذه الخطوة رمزية وتشير إلى رغبة مؤقتة في التهدئة، لكنها لا تعني انتهاء الصراع.
-
ضمانات وساطة دولية: أعلن قادة حركة حماس أنهم تلقوا ضمانات من وسطاء وأطراف دولية مثل الولايات المتحدة وتركيا ومصر بأن الحرب “انتهت”، وأن الاتفاق يجب احترامه.
-
التزام أمريكي: ترامب نفسه أكد أنه لن يسمح لإسرائيل بخرق الهدنة، على الأقل خلال المرحلة الحالية، لتسهيل التوصل إلى صفقات لاحقة.
رغم هذه المؤشرات، تبقى الوقائع على الأرض غير مستقرة، وتستند إلى التزام مرحلي يتوقف على تنفيذ شروط محددة.
لماذا لا يمكن اعتبار الحرب انتهت نهائيًا
رغم مؤشرات التهدئة، هناك عدة عوامل تجعل من الصعب اعتبار الحرب في غزة منتهية:
-
طبيعة الاتفاق المرحلي والمشروط: الاتفاق الحالي يمثل مرحلة أولى من خطة أكبر، ويحتوي على شروط صعبة التنفيذ مثل نزع سلاح حماس، إعادة هيكلة الإدارة في غزة، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية.
-
تصريحات قيادات إسرائيلية: رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صرح أن الحرب لا يمكن اعتبارها منتهية إلا بعد هزيمة حماس، ما يترك الباب مفتوحًا لاحتمال استئناف العمليات العسكرية.
-
التجارب السابقة: اتفاقيات وقف النار السابقة في غزة انهارت بعد فترة قصيرة، ما يجعل الخبراء يحذرون من أن أي طرف قد ينتهك الاتفاق إذا شعر بعدم تحقيق أهدافه أو إذا تغيرت التوازنات السياسية والعسكرية.
-
غياب آليات مراقبة فعّالة: بعض بنود خطة ترامب غامضة أو تحتاج إلى مراقبة دولية مستقلة لضمان التنفيذ، وهو أمر صعب التطبيق عمليًا على أرض الواقع.
باختصار، ما حصل حتى الآن هو مرحلة تهدئة مؤقتة، وليس سلامًا دائمًا، ولا يمكن اعتبار الحرب “منتهية” إلا إذا تم تحقيق شروط أكثر شمولية واستدامة.
الضمانات الممكنة لمنع استئناف الحرب
يمكن للضامنين الدوليين أن يلعبوا دورًا محوريًا في منع العودة إلى القتال، لكن فاعلية هذه الضمانات تعتمد على التزامهم القوي وإرادتهم السياسية:
-
مراقبة دولية مستقلة: وجود قوة حفظ سلام أو مراقبين دوليين من الأمم المتحدة أو دول محايدة يمكن أن يشرفوا على الالتزام ببنود الاتفاق، ويمنعوا أي خرق.
-
الضغوط الدولية والعقوبات: ردود فعل سريعة مثل العقوبات الاقتصادية، تجميد المساعدات، أو استنكارات دبلوماسية قوية قد تكون رادعًا لأي محاولة لخرق الاتفاق.
-
ربط المساعدات وإعادة الإعمار بشروط التنفيذ: أي مساعدات لإعادة إعمار غزة يجب أن تُشترط على الالتزام الكامل بالاتفاق، بما يشمل إعادة بناء المؤسسات وضمانات أمنية تمنع استفزاز إسرائيل.
-
توازن القوى المحلي والتسوية السياسية: تعديل مستوى الحكم في غزة وربط السلطة بشروط تضمن استقرارًا نسبيًا يقلل من احتمال النظر إليها كتهديد دائم لإسرائيل.
-
التزام أمريكي أو دولي قوي: دعم الولايات المتحدة أو الدول الكبرى للحفاظ على الاتفاق وضغطها على إسرائيل لعدم استئناف العمليات العسكرية يمكن أن يكون الضمان الأقوى.
السيناريوهات المحتملة
يمكن تلخيص المسار المحتمل للأوضاع في غزة ضمن سيناريوهين رئيسيين:
-
السيناريو الأول: التهدئة المتدرجة والاستقرار النسبي
إذا التزمت جميع الأطراف ببنود الاتفاق وظهرت آليات مراقبة دولية فعّالة، قد يتحقق استقرار نسبي على الأرض، مع استمرار جهود إعادة الإعمار وتخفيف التوترات. هذا السيناريو هو الأكثر أمانًا، لكنه يتطلب التزامًا دوليًا وسياسيًا قويًا. -
السيناريو الثاني: استئناف القتال بعد فترة قصيرة
في حال عدم الالتزام الكامل بالاتفاق أو فشل آليات المراقبة، يمكن أن تعود العمليات العسكرية بشكل محدود أو واسع، خصوصًا إذا شعرت إسرائيل أن مصالحها الأمنية مهددة، أو إذا فشلت محاولات نزع سلاح حماس وإعادة هيكلة الإدارة في غزة. هذا السيناريو يتوافق مع التجارب السابقة ويظل احتمالًا قائمًا بقوة.
التداعيات المحتملة في حال عودة القصف الإسرائيلي
إذا قررت إسرائيل استئناف القصف، ستكون التداعيات متعددة ومتشابكة على المستويات الإنسانية، العسكرية، الاقتصادية، والسياسية:
-
تفاقم الأزمة الإنسانية: إعادة القصف تعني تدمير البنية التحتية المتضررة وزيادة عدد الضحايا المدنيين، خاصة النساء والأطفال. ستتأثر المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، وقد تُضطر المنظمات الإنسانية لإغلاق مؤقت.
-
إعادة تصعيد العنف العسكري: أي قصف سيؤدي بالضرورة إلى ردود من حماس والفصائل المسلحة الأخرى، ما قد يخلق دائرة تصعيد جديدة، وربما مواجهة أوسع من المراحل السابقة.
-
تراجع جهود إعادة الإعمار والاقتصاد المحلي: التدمير المستمر سيوقف مشاريع إعادة الإعمار ويزيد من الفقر والبطالة، مع استمرار اعتماد القطاع على المساعدات الدولية.
-
تأثير سياسي واسع في المنطقة: تصعيد جديد سيضع الضامنين والدول الإقليمية أمام ضغط لتبني مواقف سياسية قوية، وربما يزيد التوترات الإقليمية ويعقّد أي مفاوضات مستقبلية.
-
تراجع الثقة في الضمانات الدولية: فشل الضامنين في منع العودة للقصف سيؤدي إلى فقدان مصداقية أي اتفاقيات مستقبلية، وزيادة إحباط الأطراف المحلية والدولية.
دور الضامنين في منع القصف
الدول الضامنة تمتلك أدوات متعددة، لكنها تعتمد على الإرادة السياسية والقدرة على التنفيذ:
-
الضغط السياسي والدبلوماسي: التهديد بالعقوبات أو استخدام المنابر الدولية لإدانة أي خرق.
-
الضغوط الاقتصادية: ربط المساعدات الاقتصادية أو العسكرية بشرط الالتزام بالاتفاق.
-
المراقبة الدولية: نشر مراقبين وقوات حفظ سلام لمراقبة الالتزام ومنع الانتهاكات.
-
إعادة التفاوض والوساطة المستمرة: التدخل الفوري عند أي خرق للتفاوض على وقف النار.
-
التأثير على الرأي العام الدولي: تسليط الضوء إعلاميًا على الانتهاكات لخلق ضغط داخلي ودولي على إسرائيل.
خلاصة
الحرب في غزة لم تنتهِ فعليًا بعد. الوقائع الحالية تمثل وقف نار مرحلي ضمن خطة أكبر، محفوف بشروط صعبة التنفيذ، ومهدد بانتهاك أي طرف للاتفاق. التداعيات المحتملة في حال عودة القصف تشمل أزمة إنسانية، تصعيد عسكري، تدمير الاقتصاد المحلي، وتوتر سياسي إقليمي.
الضامنين يمتلكون أدوات لضمان التهدئة، منها المراقبة الدولية، الضغوط السياسية والاقتصادية، ربط المساعدات بشروط التنفيذ، والتدخل السريع عند أي خرق، لكن نجاح هذه الضمانات يعتمد على الالتزام الحقيقي والإرادة السياسية. بدون ذلك، يبقى احتمال العودة إلى القتال مرتفعًا جدًا، ويستمر قطاع غزة في دائرة هشاشة متكررة.