
ثقل القمع السياسي في العالم العربي
العامل الأبرز يكمن في الجبر السياسي الذي يفرضه النظام العربي الرسمي. الأنظمة العربية لا تسمح لشعوبها بالتعبير الحر، بل تجرّم أي محاولة للتظاهر أو العصيان المدني بحجة الأمن والاستقرار. النتيجة أن الشعوب تتربى على الخوف وتتحول إلى جماهير صامتة، عاجزة عن ممارسة الضغط السياسي حتى في القضايا التي تمس وجدانها.
الانفصام بين الخطاب الديني والواقع السياسي
في العالم الإسلامي، يُفترض أن القيم الدينية تمنح الناس دافعًا أكبر لنصرة المظلوم. لكن الواقع يكشف انفصامًا: خطاب ديني تعبوي لا يتجاوز المنابر، يقابله ترويض سياسي يفرغ هذه القيم من مضمونها العملي. وهكذا، تصبح الشعوب محاصرة بين وعظ بلا فعل وقمع بلا هوادة.
الغرب: حيث المجال العام مفتوح
المفارقة أن الشعوب الغربية –رغم بعدها الجغرافي والثقافي عن فلسطين– تملك أدوات الفعل السياسي: النقابات، الأحزاب، الإعلام المستقل، والشارع المفتوح للاحتجاج. هذه الأدوات تجعل أي قضية عادلة قادرة على حشد الرأي العام وترجمة الغضب إلى فعل منظم، كما رأينا في إضراب إيطاليا واحتجاجات أوروبية وأمريكية مشابهة.
الإعلام وصناعة الوعي
لا يمكن تجاهل دور الإعلام. في العالم العربي، الإعلام الرسمي يبرر الصمت ويشوّه أي حراك شعبي، بينما في الغرب، وسائل إعلام (حتى لو متحيزة) لا تستطيع تجاهل الضغوط الشعبية بالكامل. وهنا يظهر الفرق: الوعي الجمعي العربي مصمم ليُساق، بينما الوعي الغربي يملك مساحة ليصنع فعلًا.
هل هي أزمة هوية أم أزمة حرية؟
المشكلة ليست في طبيعة الشعوب العربية والإسلامية نفسها، بل في البنية السياسية التي حولت هذه المجتمعات إلى كيانات مُفرغة من إرادة جماعية. لو توفرت الحرية، فإن الحشود التي تملأ الملاعب والمهرجانات قادرة على أن تملأ الشوارع في وجه الظلم، وربما تفوق الشعوب الغربية زخمًا. لكن حتى ذلك الحين، سيبقى الغرب أحيانًا أكثر جرأة في التعبير عن قضايا هي في الأصل جزء من وجداننا.
الخلاصة:
الإضراب الإيطالي ليس دليلاً على أن الغرب أكثر إنسانية، بل على أن الغرب يملك أدوات سياسية تسمح له بالتعبير، بينما الشعوب العربية والإسلامية جُرّدت من هذه الأدوات بفعل القمع والجبر السياسي. القضية إذن ليست في ضمير الشعوب، بل في من صادر حقها في الفعل.