
المحيط الهادئ: من "بحيرة أمريكية" إلى ساحة نزاع
لعقود طويلة، كانت واشنطن تعتبر المحيط الهادئ امتدادًا طبيعيًا لنفوذها العسكري والتجاري، مع أساطيلها البحرية وقواعدها المنتشرة من اليابان إلى غوام. لكن دخول الصين بقوة عبر مبادرة "الحزام والطريق"، وتوسيع حضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي، أنهى وهم الاحتكار الأمريكي.
التصعيد العسكري: مناورات ورسائل ردع
شهدت الأشهر الأخيرة مناورات بحرية وجوية متبادلة بين الصين والولايات المتحدة، مع انضمام حلفاء مثل اليابان وأستراليا إلى "التحالف البحري" بقيادة واشنطن. في المقابل، كثفت بكين من تدريباتها العسكرية حول تايوان، مؤكدة أنها "خط أحمر" لن تقبل تجاوزه. هذا التصعيد لا يقتصر على الاستعراض العسكري، بل هو إعلان ضمني بأن أي محاولة لعزل الصين اقتصاديًا أو محاصرتها استراتيجيًا ستُقابل بالرد.
الاقتصاد كسلاح استراتيجي
تدرك واشنطن أن خوض حرب مباشرة مع بكين مكلف، لذلك تميل أكثر إلى استخدام الاقتصاد كسلاح: العقوبات التكنولوجية، الحظر على أشباه الموصلات، ومحاولة فصل الاقتصاد الغربي عن الصناعات الصينية الحساسة. في المقابل، تستثمر بكين في بناء بدائل إقليمية، وتعزيز شراكاتها مع روسيا وإيران ودول الجنوب العالمي، ما يحوّل الصراع من مواجهة ثنائية إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي.
تايوان: الشرارة المحتملة
تبقى تايوان النقطة الأخطر. فهي ليست مجرد جزيرة، بل عقدة جيوسياسية–تكنولوجية تتحكم في أكبر صناعة رقاقات في العالم. أي صدام عسكري حولها لن يقتصر على المحيط الهادئ، بل سيشل سلاسل التوريد العالمية، ويطلق موجة أزمات اقتصادية تعصف بالأسواق.
نحو أي مآلات؟
- السيناريو الأول: استمرار لعبة "التوازن الحذر"؛ حيث تبقى المناورات والضغوط الاقتصادية دون انفجار مباشر.
- السيناريو الثاني: صدام محدود حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي، يختبر حدود الردع المتبادل.
- السيناريو الثالث: انزلاق غير محسوب إلى حرب واسعة، وهو الاحتمال الأخطر، لكنه الأقل رغبة من الطرفين نظرًا لتكلفته الكارثية.
خاتمة: عالم عند مفترق طرق
التوتر الأمريكي–الصيني ليس مجرد خلاف على النفوذ الإقليمي، بل هو صراع على شكل النظام الدولي القادم: هل سيظل أحادي القطب تحت الوصاية الأمريكية، أم متعدد الأقطاب تُعيد فيه آسيا رسم قواعد اللعبة؟ الجواب سيُكتب في مياه المحيط الهادئ، حيث تختبر القوى الكبرى حدودها، وحيث يقترب العالم من لحظة حاسمة قد تحدد مسار العقود المقبلة.