أوكرانيا ضد روسيا: حرب بالوكالة لأجل الغرب

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، يتعامل الغرب مع أوكرانيا كأنها قضية "تحرير شعب" أو "دفاع عن الديمقراطية"، بينما في الحقيقة هي عقدة جيوسياسية تعكس صراعًا عميقًا بين روسيا والغرب على معنى الأمن والهيمنة. فحتى لو انتصرت واشنطن وبروكسل في معركة إخضاع كييف، لن تنتهي المعضلة، لأن الصراع لن يزول بضم أوكرانيا إلى الغرب، بل سيتحوّل إلى شكل جديد من "المنطقة المحايدة" بين روسيا وأوروبا.

أوكرانيا: ضد روسيا… من أجل الغرب

المفارقة الكبرى أن أوكرانيا تقاتل روسيا، رغم أن الروس والأوكران يشتركون في التاريخ واللغة والدين والثقافة، وكأنها حرب داخل العائلة الواحدة. كيف حدث ذلك؟

  • هندسة الوعي: منذ التسعينات، ضخّت واشنطن وبروكسل مليارات في الإعلام والمناهج والمؤسسات الأوكرانية لتصوير روسيا كعدو والغرب كمنقذ.
  • استغلال الانقسام الداخلي: أوكرانيا منقسمة بين شرق روسي الهوى وغرب أوروبي النزعة، فاستثمر الغرب هذا الشرخ حتى تحوّل إلى حرب.
  • وعود الانضمام للغرب: قُدّم الاتحاد الأوروبي والناتو كـ"حلم الخلاص"، ما جعل الأوكرانيين يقاتلون روسيا ظنًّا أن الغرب سيمنحهم مستقبلًا أفضل.
  • حرب بالوكالة: في النهاية، الأوكران يُستخدمون كـ"خط دفاع بشري" في مواجهة روسيا، بينما الغرب يكتفي بتسليحهم وتمويل الحرب.

وهكذا تحولت أوكرانيا إلى أداة في يد الغرب، تقاتل روسيا التي هي في الأصل امتدادها الطبيعي، من أجل مصلحة قوى خارجية تستنزفها.

الغرب وأوكرانيا: مكسب استراتيجي لا يمكن التفريط به

ترك أوكرانيا في الحاضنة الروسية يعني خسارة الغرب لأوراق كبرى:

  • العمق الاستراتيجي: روسيا كانت ستبقى محصّنة بحزام أمني واسع، أما اقتراب الناتو من أوكرانيا فهو خنق مباشر لموسكو.
  • الموارد والثروات: أوكرانيا "سلة غذاء أوروبا" وموطن معادن نادرة حيوية، لو بقيت مع روسيا لزادت قوة موسكو الاقتصادية.
  • كسر النفوذ الروسي: الغرب لا يريد روسيا كقوة جاذبة لدول الجوار، بل كدولة معزولة. أوكرانيا هي قلب هذا الصراع الرمزي والعملي.
  • الحفاظ على الناتو: أوكرانيا كانت فرصة ذهبية لإحياء تحالف عسكري مترهل عبر خلق عدو مشترك.
  • التحكم في الطاقة: خطوط الغاز عبر أوكرانيا تعني أن موسكو تمسك بصمام أوروبا. الغرب أراد انتزاع هذه الورقة.

لهذا لم يكن ممكنًا أن يترك الغرب أوكرانيا في المدار الروسي، لأن الأمر بالنسبة له ليس "خيارًا سياسيًا"، بل مسألة هيمنة جيوسياسية.

أوكرانيا: من الدولة إلى الساحة

لكن الغرب حينما استحوذ على القرار الأوكراني لم يُنهِ مشاكلها، بل فجّرها:

  • انقسام داخلي حاد بين شرق موالٍ لروسيا وغرب موالٍ لأوروبا.
  • اقتصاد مدمَّر تحت قروض وخصخصة وفساد، محوَّل إلى اقتصاد حرب.
  • صدام مباشر مع روسيا، حوّل البلاد إلى جبهة متقدمة لحرب بالوكالة.
  • فقدان الاستقلال السياسي؛ أوكرانيا لم تعد صاحبة قرار، بل ساحة لتصفية حسابات دولية.

هكذا تحولت "وعود الغرب بالخلاص" إلى معادلة استنزاف مفتوحة، يدفع الأوكران ثمنها دمًا ودمارًا.

المنطقة المحايدة: لعنة لا تزول

حتى لو دخلت أوكرانيا كليًا في العباءة الغربية، فلن تُحل المشكلة. لأن فلسفة الأمن عند القوى العظمى تجعل المناطق الرمادية قدرًا دائمًا:

  • روسيا ستسعى لخلق منطقة عازلة جديدة، سواء في شرق أوكرانيا أو مولدوفا أو البحر الأسود.
  • الانقسام الشعبي داخل أوكرانيا سيبقى قنبلة موقوتة، إذ لا يمكن محو الهوية الروسية المتجذرة في الشرق والجنوب.
  • الناتو لن يتوقف عند أوكرانيا؛ بل ستبدأ مواجهات جديدة في بيلاروس أو البلطيق أو القوقاز.
  • الغرب سيرث عبئًا ضخمًا: إعادة إعمار مستحيلة وحدود طويلة مع روسيا المهددة دائمًا.

وبالتالي فإن "الحل الغربي" لا ينهي الأزمة، بل يعيد إنتاجها في صورة أخرى. المنطقة المحايدة ستبقى تتوالد؛ إذا انتهت واحدة، ظهرت أخرى.

الخلاصة: صراع لا نهاية له

أوكرانيا ليست مجرد دولة اختارت الغرب ضد روسيا، بل هي حجر الزاوية في معركة توازن القوى العالمية. الغرب لا يستطيع تركها، وروسيا لا تستطيع خسارتها، وأوكرانيا نفسها لا تملك قرارها.
النتيجة: حرب مستمرة، وانقسام دائم، وولادة متواصلة لمناطق محايدة جديدة، تجعل الصراع الأورو-روسي قدرًا جغرافيًا وتاريخيًا لا مفر منه.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.