
في سرديات الإعلام الغربي، لا يكفي أن تكون مهاجرًا، ولا أن تكون مظلومًا في بلدك الأصلي. لتصبح "المهاجر المثالي"، عليك أن تكون نسخة مشذبة من نفسك، تتحدث عن ألمك بما يناسب السردية الغربية، وتوجه سهامك نحو ثقافتك لا نحو من دمّر وطنك. والأدهى، أن ينتهي بك المسار صورة صامتة بعد أن تنتهي مهمتك.
تُصفّى معنويًا أو جسديًا، وتُدفن كرمز نبيل،
بينما تُطوى حقيقتك في الأرشيف.
المهاجر المثالي: ما الذي يجعلهم يختارونك؟
ليس كل لاجئ أو مهاجر يجد المنصة أو الصدى. بل هناك مواصفات غير مكتوبة تفتح الأبواب أمام من يُراد تلميعه:
- أن تروي معاناتك بأسلوب درامي قابل للاستهلاك، دون أن تربطها بالبنية الاستعمارية أو المصالح الدولية.
- أن توجّه نقدك نحو "تخلّف" مجتمعك، لا نحو السياسات التي هجّرتك.
- أن تظهر كشخص "تحرر" من الإسلام، أو الطائفية، أو "الانغلاق الشرقي"، ووجد ذاته في الحداثة الغربية.
- أن تكون "مُمتنًا" للحضارة الجديدة، حتى حين تهمّشك أو تستغلك.
من ضحية إلى سلاح ناعم
حين تُعطى المنصة، تبدأ مهمتك كـ"صوت حر"، لكن هذا الصوت يتحول تدريجيًا إلى أداة لتبرئة المركز من جرائمه:
- تهاجم النساء في الشرق وتُمجّد "تحرر المرأة" في الغرب، دون الحديث عن العنصرية أو التمييز هناك.
- تنتقد القمع الديني في بلدك، لكنك تصمت عن الرقابة الأيديولوجية الناعمة في بلد المهجر.
- تُستَخدم في الحملات السياسية لشيطنة "الإسلام السياسي"، أو لتبرير قوانين قمعية ضد الجاليات المسلمة باسم "الاندماج".
وهكذا، يتحول المهاجر إلى درع أخلاقي للسلطة الجديدة: هو "منهم"، لكنه يهاجم قومه. وبالتالي، لا يمكن اتهام المؤسسة بالعنصرية، لأنها "تستمع لصوت من الداخل".
الاغتيال الرمزي: نهاية الدور
حين تنتهي المهمة، أو يخرج هذا الصوت عن النص، تحدث "التصفية" بشكل ناعم أو فج:
- ينحسر حضوره فجأة من الإعلام، وتُغلق في وجهه المنصات، ويُهمَّش.
- أو يُسقط عبر فضيحة مُعدّة مسبقًا: تمويل مشبوه، علاقات شخصية، تسريب مضر.
- أو في حالات أكثر عنفًا، يُغتال فعليًا، ويُشيّع كرمز "حر" يُبكي عليه الجميع، لكن بعد أن أتمّ خدمته.
وغالبًا، تُعاد صياغة قصة وفاته لتخدم نفس السردية التي استخدمته حيًّا: مات من أجل الحرية، لا من أجل الحقيقة.
نماذج متكررة... بأسماء مختلفة
في السنوات الأخيرة، ظهرت عشرات الحالات لأشخاص:
- فرّوا من أوطانهم بسبب الحرب أو الاستبداد،
- تحدثوا بمرارة وصدق في البداية،
- ثم تم استيعابهم ضمن مؤسسات فكرية أو إعلامية،
- وتحول خطابهم تدريجيًا إلى نسخة مصقولة تخدم أجندات سياسية واضحة.
وفي النهاية، تم حرقهم كأوراق بعد أن استُهلكت وظائفهم، إما بصمت، أو عبر تضخيم نهايتهم كـ"شهادة على صدق حرية التعبير في الغرب"!
خاتمة: من يكتب القصة؟
الخطر ليس في أن يُعطى اللاجئ صوتًا، بل في من يحدد حدود هذا الصوت، وما يُسمح له أن يقوله.
فحين تُصبح الضحية بوقًا للجلاد، ولو دون وعي، نكون قد دخلنا مرحلة أخطر من القمع:
قمع الحقيقة باسم الحرية، وقتل الصوت باسم منحه الحياة.