
في قلب الصحراء الليبية، وتحت وطأة الاحتلال الفاشي، نهض عمر المختار شيخًا وقائدًا، ليجعل من الجهاد قدرًا ومن الكهولة وقارًا يقود الثوار. لم تكن مقاومته ردّ فعل لحظي، بل مشروعًا طويل النفس، قاده بثبات يقين ووضوح بصيرة. جسّد روح الإسلام المقاوم، حيث تلتقي العقيدة بالكرامة، والسجادة بالبندقية. حاصرته الجيوش، لكنه لم يُهزم، حتى حين صعد إلى المشنقة ثابت النظرات، شامخًا كأنما هو من يُصدر الحكم. فهل كانت معركته من أجل الأرض فقط، أم من أجل كرامة أمة بأكملها؟
هو ليس بطلًا لأن الاستعمار أعدمه،
بل لأنه اختار أن يقف في وجه الاستعمار أصلاً،
اختار أن لا يصمت،
أن لا يتواطأ، أن لا يُنكر الأرض التي أنجبته.
الرمز لا يُصنع بالموت، بل بالموقف
لم يصنعه مشهد المشنقة، بل صنعته سنوات النضال الطويلة، في الجبال، في الصحراء، في الوجدان الشعبي.
لم يكن حالمًا بخلاص فردي، بل كان يؤمن بأن الشرف الحقيقي هو أن تعيش وتموت حاملًا قضية، لا خاضعًا لوهم النجاة.
في زمن كان كثيرون يبيعون ضمائرهم للغازي القادم،
اختار عمر المختار أن يبقى واقفًا على حدود الكرامة، لا يتزحزح.
فصار رمزًا، لأن الرمزية لا تُمنح، بل تُنتزع بالفعل والإصرار والثبات.
لماذا يخلد عمر المختار؟
لأن النضال الحق لا يشيخ،
ولأن الشعوب تحتاج إلى رموزٍ تذكّرها بأن الهزيمة ليست في السلاح، بل في الانكسار الداخلي.
فهو لا يُذكر اليوم كرجل، بل كعنوان لكل مقاومةٍ شريفة ترفض الخضوع مهما كان الثمن.
في كل أرض تُحتل، في كل صوتٍ يُقمع، في كل سجنٍ يُفتَح،
هناك من يتذكر عمر المختار لا لأنه قُتل، بل لأنه عاش بطريقة لا يستطيع العدو أن يفهمها ولا أن ينتصر عليها.
الرمز لا يموت
من أهم ما يُخيف الأنظمة المستبدة والمحتلين هو أن تتحول شخصية إلى رمز.
لأنهم يستطيعون قتل الرجال… لكنهم لا يستطيعون قتل الأفكار.
عمر المختار تحول إلى ما هو أخطر من الثورة المسلحة:
تحول إلى ذاكرة جماعية،
وإلى ضمير حيّ لكل مقاومة.
"حياتي أطول من حياة شانقي"
ليست جملة تحدٍ، بل إعلان حقيقة.
فهو يعلم أن الرمز لا يُعدم،
وأن جلاده سيذوب في ظلال التاريخ،
أما هو، فسيبقى يُلهم كل من قرر أن يقاتل لا ليُغلب، بل ليشهد أن الكرامة لا تُساوَم.