جرائم اسرائيل العلنية: استهداف الشعب الفلسطيني كعدو: لماذا يُحارب الإنسان لا القضية؟

سلسلة جرائم اسرائيل العلنية: في مسرح التاريخ المليء بالدماء والخداع، هناك شعوب تُستهدف لأنها تهدد المصالح، وهناك شعوب تُستهدف لأنها تهدد الزيف. والفلسطيني، بتمسّكه العنيد بحقه في أرضه، لا يهدد فقط المشروع الصهيوني الاستعماري، بل يُربك سرديةً كونيةً بُنيت على الكذب، وزُيّنت على أنقاض الضحايا.

إنها ليست مجرّد حرب على أرض، بل حرب على الذاكرة، والهوية، والإنسان.

من قضية إلى "عدو": انقلاب السردية

لم يكن الفلسطيني في الخطاب الغربي الرسمي يُقدَّم دائمًا كعدو، بل كـ"قضية معقدة" تُناقش في أروقة السياسة، قبل أن يتحول تدريجيًا إلى صورة "الخطر" و"الإرهاب" و"المتطرف" و"المحرّض". هذا التحول لم يكن عفويًا، بل تأسس على جهد إعلامي وسياسي ممنهج يسعى إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطيني، وتحويل معاناته إلى تهديد.

فالمستعمر لا يخشى الضحية التي تطلب الشفقة، بل يخشى الضحية التي ترفض الترويض.

لماذا يُستهدف الفلسطيني كشعب لا كتنظيم؟

في معظم الصراعات، يجري استهداف الفاعلين السياسيين والعسكريين. أما في الحالة الفلسطينية، فإن الشعب نفسه يُجرّم. الطفل المقاوم يُقتل، والمرأة التي تصرخ تُتهم بالتحريض، والطبيب يُقصف، والبيت يُهدم، والمدني يُحوَّل إلى هدف مشروع.

هذا لأن الفلسطيني يُعاقَب على جرأته في البقاء. وجوده ذاته مقاومة، وهو ما لا يُغتفر في منطق المستعمر الذي يريد أرضًا بلا شعب.

البُعد الرمزي: فلسطين ليست "مكانًا" فقط

في وعي الأمة، وفي اللاوعي الغربي، تمثل فلسطين أكثر من جغرافيا. إنها موقعٌ رمزيٌّ تتقاطع فيه الميثولوجيا مع التاريخ، والعقيدة مع السياسات الكبرى. ولذلك، فإن تمسك الفلسطيني بأرضه يهدد النظام الرمزي الذي تقوم عليه "شرعية" المشروع الصهيوني.

المطلوب ليس فقط محو الفلسطيني من الأرض، بل من الرواية.

التواطؤ العربي والدولي: حين يُخشى الفلسطيني أكثر من الصهيوني

الكثير من الأنظمة العربية ترى في الفلسطيني خطرًا لا لأنه عدو سياسي، بل لأنه يُحرجهم بمرآته. فهو يذكّر شعوبهم بما فقدوه: الكرامة، والبوصلة، والقدرة على قول "لا". لذلك، يفضلون شيطنته بدلًا من دعم مقاومته.

أما دول المعسكر الغربي، فقد وجدت في دعم إبادة الفلسطيني اختبارًا أخلاقيًا يسهّل عليها إبادة الشعوب الأخرى. فمن يسكت عن غزة، لن يرفض أوكرانيا، ولن يذرف الدمع على الكونغو.

الأهداف والنتائج

  1. الأهداف المباشرة للجريمة
    ترهيب الشعب الفلسطيني وتفكيك نسيجه المجتمعي عبر تحويله إلى هدف دائم بغضّ النظر عن انتمائه أو سلوكه، وذلك من خلال تعميم العقاب الجماعي وتشريع القتل بحق المدنيين، لتكريس معادلة الردع القائم على الإبادة لا على الرد.

  2. الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى
    إعادة تشكيل السردية العالمية حول الفلسطيني كـ"خطر وجودي" وليس كضحية، بما يبرر استمرار المشروع الصهيوني دون مساءلة، ويُحوّل إسرائيل إلى ضحية مُحتمى بها وليست قوة استعمارية غازية. كما تهدف إلى محو النموذج الفلسطيني المقاوم الذي يُلهم الشعوب المقهورة ويحرج الأنظمة المتواطئة.

  3. النتيجة (الميدانية أو السياسية أو الإعلامية)
    تحقّقُ إسرائيل - ولو جزئيًا - نجاحًا إعلاميًا في نزع إنسانية الفلسطيني في بعض المنصات الغربية، إلا أن العنف المفرط أطلق في المقابل موجة تعاطف شعبي عالمي غير مسبوقة، وفضح انكشاف نفاق الخطاب الغربي، ما زاد من تآكل شرعية الاحتلال وأربك أدواته الدعائية في المدى المتوسط.

خاتمة: حين يُحارب الإنسان لأنه لا ينسى

إن استهداف الفلسطيني اليوم، بآلة القتل الجماعي، والتواطؤ الإعلامي، والخذلان العربي، ليس فقط رغبة في الانتصار العسكري، بل هو محاولة لإخضاع الحقيقة بالتدمير. لكن الحقيقة لا تُدفن بجثث الشهداء، بل تُبعث في أصوات الأمهات، وفي دفاتر الأطفال، وفي كل حجرٍ يُرمى في وجه الكذب.

ففلسطين ليست فقط وطنًا يقاتل من أجله شعب، بل شعبٌ يقاتل كي لا يُمحى الوطن من العالم.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.