اسرائيل: سقوط الدعاية الإعلامية بعد ٧٠ سنة: حين ينكشف القناع أمام العالم

بعد أكثر من سبعة عقود من العمل الدعائي المكثف، تعيش "الدعاية الإسرائيلية" اليوم حالة من الانكشاف العالمي المتسارع، وانهيار غير مسبوق في قدرتها على احتكار السردية أو كسب التعاطف الدولي. فالمشروع الذي طالما تفوّق إعلاميًا في ترويج رواية "الدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء"، يجد نفسه اليوم عاريًا أمام وعي شعبي عالمي جديد، مدفوع بثورة المعلومات، وكسر احتكار الخطاب، وتنامي ثقافة النقد.

هذه ليست مجرد أزمة علاقات عامة، بل تحوّل تاريخي في الوعي الجمعي، كشف التناقض الفجّ بين الصورة المُصدّرة والواقع الدامي على الأرض.

صناعة الأسطورة: كيف نجحت الدعاية لعقود؟

منذ 1948، عملت الآلة الدعائية الصهيونية على تأسيس خطاب إنساني-دفاعي يقوم على ثلاث ركائز:

  1. الضحية الأبدية: تصوير اليهود كضحايا أبديين للتاريخ، وتقديم "إسرائيل" كمأوى أخلاقي لحمايتهم من تكرار الإبادة.

  2. الديمقراطية المحاصرة: تسويق "إسرائيل" كواحة ديمقراطية وسط أنظمة استبدادية، وكخط دفاع أمامي عن "قيم الغرب".

  3. الإرهاب العربي: اختزال كل مقاومة فلسطينية تحت عنوان "الإرهاب"، مما منح شرعية مسبقة لأي عدوان.

بهذه الركائز، نجحت إسرائيل في احتكار الرواية داخل وسائل الإعلام الغربية الكبرى، وتحويل الضحية (الشعب الفلسطيني) إلى متهم دائم. لم يكن هذا النجاح مجرد حظ، بل نتيجة شراكة وثيقة بين المشروع الصهيوني ومراكز القوى في الإعلام والسياسة الغربية، منذ نشأة هوليوود وحتى غرف تحرير الـCNN وBBC.

لحظة السقوط: لماذا الآن؟

لكن اليوم، يبدو أن هذه الرواية تتهاوى بسرعة. فما الذي تغيّر؟

  1. انفجار المشهد الرقمي: مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الإعلام الغربي هو القناة الوحيدة لنقل الصورة. باتت مشاهد المجازر تُبث مباشرة من قلب غزة إلى ضمير العالم، دون فلترة أو مونتاج دعائي.

  2. جيل عالمي جديد بلا عقدة ذنب: الأجيال الجديدة في أوروبا وأمريكا لا تحمل ذات العقدة التاريخية تجاه اليهود، وترى "إسرائيل" كدولة احتلال، لا كملاذ لضحايا الهولوكوست.

  3. ازدواجية الخطاب الغربي: بعد عقود من التنظير عن "حقوق الإنسان"، بات التواطؤ الغربي مع جرائم الاحتلال يفضح ذاته أخلاقيًا، ويثير سخطًا متزايدًا حتى داخل المؤسسات الغربية ذاتها.

  4. أصوات يهودية ناقدة: هناك تنامٍ ملحوظ لأصوات يهودية تعارض الصهيونية، وتدين ممارسات الاحتلال، مما يسحب من إسرائيل ورقة "التمثيل اليهودي الحصري".

  5. الاحتلال وقد سقط قناعه: لم تعد إسرائيل تظهر كدولة ديمقراطية، بل كدولة فصل عنصري (أبارتهايد) في تقارير منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي"، بل حتى في تصريحات بعض ساستها السابقين.

المجازر الأخيرة: الضربة القاضية للدعاية

منذ العدوان المتواصل على غزة في 2023-2024، تعيش إسرائيل حالة انكشاف أخلاقي غير مسبوق. فالمذابح، القصف العشوائي، استهداف المستشفيات والمدارس، والتجويع الجماعي الممنهج، باتت تُوثق بالصوت والصورة، وتنتشر كالنار في الهشيم.

حتى أكثر المؤيدين تعصّبًا يجدون أنفسهم في موقع الدفاع المتردد، بعدما فشلت الرواية الرسمية في تبرير حجم الإبادة.

من تغيير الوعي إلى تغيير السياسات

هذا السقوط لا يعني فقط فقدان إسرائيل لتعاطف الرأي العام العالمي، بل له تبعات استراتيجية عميقة:

  • تصاعد حركات المقاطعة (BDS) على مستوى الشعوب والجامعات والنقابات.
  • تغير الخطاب الإعلامي تدريجيًا حتى في الصحف الغربية الكبرى.
  • ارتباك داخل الدوائر الدبلوماسية الغربية في تبرير الدعم غير المشروط لإسرائيل.
  • فقدان "الشرعية الأخلاقية" التي طالما بررت بها تل أبيب عنفها.

الخلاصة: نهاية مرحلة من الخداع

ما نشهده اليوم هو بداية النهاية لأسطورة إعلامية حكمت السردية العالمية لسبعين عامًا. لم تسقط الدعاية فقط، بل سقط معها وهم "التفوق الأخلاقي" الذي كانت إسرائيل تتكئ عليه لتبرير سياساتها.

سقوط القناع لا يعني سقوط المشروع فورًا، لكنّه إيذان ببداية انحساره. فحين يُجرَح الوعي العالمي، لا تعود الدعاية قادرة على ترقيع الدماء بالبلاغة.

أحدث أقدم
🏠