
في كل مرة تهدم فيها إسرائيل بيتًا لفلسطيني – سواء بتهمة "البناء غير المرخص" في القدس، أو بحجة "الرد على عملية مقاومة" في الضفة – يصاحب الجرافات جيشٌ مدجج، وتُنشر الصور، وتُطلق التصريحات المتفاخرة، بل أحيانًا يُوزّع الحلوى من قبل المستوطنين في مشاهد تُذكّر بطقوس المنتصرين في الحروب الدينية القديمة. هذه الممارسات ليست مجرد تجاوز لحقوق الإنسان، بل هي تجلٍّ فجّ لسياسة منهجية تستهدف الكرامة والوجود الفلسطيني، وتُعيد صياغة مفاهيم "الردع" بلغة الاستعراض.
يظهر هذا الاستعراض العلني للعقوبة الجماعية كتعبير عن انفلات نفسي داخل المنظومة الصهيونية، لا يكتفي بتأمين "الأمن" عبر الرد العسكري، بل يسعى لتحطيم الروح والرمز، وإيصال رسالة نفسية جماعية للفلسطينيين: لا بيت يبقى، ولا أمان يُبنى، ومن يرفع رأسه، فبيته أولًا يُدفن.
الأهداف والنتائج
- تدمير مساكن المقاومين أو من يُشتبه بعلاقتهم بالمقاومة.
- تهجير الأسر الفلسطينية قسرًا من مناطق استراتيجية (كالقدس أو مناطق C).
- بثّ الرعب في البيئة الشعبية المحيطة لمنع احتضان الفعل المقاوم.
- تفريغ المناطق المستهدفة ديمغرافيًا لصالح مشاريع الاستيطان والتهويد.
- إعادة تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني حول ثمن التحدي، وصياغة معادلة "السكوت مقابل البقاء".
- تصدير صورة "الهيمنة الإسرائيلية" للإسرائيليين أنفسهم ضمن مشهد إعلامي مهيمن يُخاطب الداخل الصهيوني قبل الخارج الدولي.
- ميدانيًا: تصاعد مشاعر الغضب الشعبي والتوتر، ما يؤدي غالبًا إلى اشتباكات جديدة.
- سياسيًا: مزيد من الإدانة الدولية الشكلية دون إجراءات فعلية، ما يُعزّز شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب.
- إعلاميًا: استثمار الجريمة كأداة دعاية داخلية، لتثبيت صورة "إسرائيل الحازمة" في مواجهة "الخطر العربي"، حتى لو كان هذا الخطر بيتًا من حجر.
خاتمة
إن تدمير البيت ليس مجرد عمل هندسي تنفيذي، بل هو رسالة سياسية نفسية، يُراد بها كسر إرادة الشعب الفلسطيني ونسف ما تبقى من شعور بالاستقرار. والخطر الأكبر ليس في الجرافة التي تهدم، بل في العقلية التي تحتفل بذلك، وتعتبر الألم الفلسطيني مادة للفخر القومي. إن هذا السلوك – حين يتحوّل إلى طقس علني – يفضح طبيعة المشروع الصهيوني، لا كاحتلال عسكري فقط، بل كمنظومة تُنتج الكراهية وتُغذّيها، وتبني سلطتها على أشلاء البيوت، لا على شرعية الإنسان.