
لكن خلف هذا الإعلان المفاجئ، تتراكم أسئلة أكبر من مجرّد التهدئة:
لماذا الآن؟ ولماذا من ترامب؟ وهل أُغلقت ملفات النار فعلًا، أم أُعيد ترتيبها؟
من التصعيد إلى التهدئة: من الذي ربح الجولة؟
اندلعت الحرب بين إيران وإسرائيل إثر عملية عسكرية أمريكية استهدفت مواقع نووية إيرانية، تبعها رد إيراني صاروخي على قواعد أمريكية، أبرزها قاعدة العديد في قطر. ومنذ تلك اللحظة، كانت كل ضربة تُقابل بضربة، وكل تهديد يُقابَل بإنذار.
لكن ما بدا في البداية كتمهيد لحرب شاملة، انتهى فجأة بإعلان تهدئة من خارج المؤسسات. وهو ما يُعيد صياغة السؤال الأهم:
هل نجحت إيران في تثبيت قواعد ردع جديدة، أم أن إسرائيل حققت أهدافها بهدوء؟
وهل ما أُعلن "وقفًا للنار"، هو فعلًا نهاية جولة... أم بداية هندسة جديدة للمشهد؟
لماذا ترامب؟
إعلان ترامب وقف الحرب، رغم أنه خارج المنصب، ليس تفصيلًا هامشيًا، بل يحمل دلالات استراتيجية:
- إعادة تقديم نفسه كصانع قرار موازٍ للدولة الأمريكية الرسمية، في لحظة تشهد فيها الإدارة الديمقراطية ضعفًا.
- تثبيت دوره كوسيط فعّال مع كلا الطرفين، بعد أن لعب أدوارًا في الاتفاق النووي مع كوريا الشمالية والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
- إدارة الخسائر السياسية والاقتصادية الناتجة عن التصعيد، خصوصًا مع ارتفاع أسعار النفط وتذبذب الأسواق.
وبعيدًا عن الأدوار المعلنة، فإن ترامب كان على اتصال مع عدة أطراف إقليمية، أبرزها أمير قطر، ما يُشير إلى أن الإعلان لم يكن انفعاليًا، بل مُجهّزًا عبر قنوات خلفية.
ما الذي تغيّر فعلًا؟
من الناحية العسكرية، لا تشير المعطيات إلى انتصار ساحق لأي طرف، بل إلى ما يشبه "التعادل السلبي":
- إيران أثبتت قدرتها على الرد خارج حدودها (في قطر والعراق).
- إسرائيل اختبرت ردعها وتكتيكاتها داخل العمق السوري واللبناني.
- أمريكا خاضت معركتها ثم سلّمت ملف التهدئة لترامب، في مشهد يُوحي بوجود أدوار متبادلة خلف الستار.
لكن الملف الأخطر هو أن الإعلان عن التهدئة جاء بطريقة:
- تجاوزت المؤسسات الدولية.
- اختزلت أطرافًا إقليمية كاملة (لبنان، العراق، اليمن) وكأنها هامش في صراع الكبار.
- كرّست فكرة أن قرارات الحرب والسلم تُؤخذ خارج المسرح الذي تُراق فيه الدماء.
هل انتهت الحرب فعلًا؟
الإعلان عن وقف إطلاق النار ليس ضمانًا للسلام، بل ربما يكون فقط نقطة توقف لإعادة التموضع:
- إسرائيل لم تُحقق حتى الآن هدفها المعلن المتمثل في "تفكيك البنية النووية الإيرانية".
- إيران لم تُنهِ مشروعها الإقليمي، لكنها أثبتت قدرتها على الرد المباشر.
- الولايات المتحدة ما تزال حاضرة كقوة ردع، لكنها أصبحت تعتمد على إدارة الصراع بالوكالة وبالواجهة الإعلامية.
الهدنة قد تكون هدنة اضطرار لا خيار، أو "فاصلًا تكتيكيًا" لا نهاية للنزاع. وكما علّمنا تاريخ الشرق الأوسط: كل هدنة تُؤسس لحربٍ أخرى، إن لم تُتوَّج بتغيير قواعد الاشتباك فعليًا.
الخلاصة:
إعلان ترامب وقف الحرب بين إيران وإسرائيل هو أكثر من مجرد قرار عسكري.
هو إعلان سياسي عن عودة ترامب إلى ساحة القرار من بوابة الوساطة.
وهو إعلان غير مباشر أن الحرب خرجت من أيدي العواصم العربية، وصارت تُدار بين واشنطن وطهران وتل أبيب... والدم يُراق في أماكن أخرى.
أما السؤال الأخطر الذي لا يزال معلقًا:
إذا كان ترامب خارج السلطة قادرًا على إعلان وقف حرب إقليمية، فمن يحكم الشرق الأوسط فعليًا؟