
كيف تحولت «سويسرا الشرق الأوسط» إلى مسرح صراع دموي استمر خمسة عشر عامًا؟
من أشعل نيران الحرب؟ ومن استفاد من تقطيع أوصال الوطن؟
وكيف تحولت الطوائف إلى جيوش ومليشيات تتقاتل باسم هوية مزيفة، بينما تُهدر الدولة ومؤسساتها؟
ما الذي حدث؟
في أبريل 1975، اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية بعد حادثة إطلاق نار في منطقة عين الرمانة بين الفصائل المسيحية والفلسطينية. سرعان ما تطورت المواجهات لتشمل معظم أنحاء لبنان، حيث تراكمت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تدخلات إقليمية ودولية متضاربة.
البلاد تحولت إلى فوضى مسلحة؛ مليشيات طائفية، فلسطينية، وأجنبية تتقاتل على الأرض، مُحدثة آلاف القتلى ودمارًا واسعًا في البنية التحتية، وأزمة نزوح داخلي هائلة.
استمر النزاع حتى توقيع اتفاق الطائف في 1989، الذي حاول وقف الحرب، لكنه لم يعالج جذور الانقسام.
هل كانت الحرب مفتعلة؟ ومن المستفيد؟
لم تكن الحرب اللبنانية انفجارًا عفويًا. تراكمت أسبابها على مدار سنوات من الفساد، والفساد السياسي، والتدخلات الخارجية، وضعف المؤسسات.
أما السبب المباشر فكان تصاعد التوتر بين المجتمع اللبناني والطموحات الفلسطينية، خاصة بعد دخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان عقب نكسة 1967، واستغلال بعض القوى اللبنانية والعربية الوضع لإعادة هندسة لبنان على أسس طائفية، فكانت الحرب وسيلة لتفتيت قوة لبنان الوطنية.
المستفيدون الأساسيون هم مَن استثمروا في استمرار الفوضى: حلفاء إقليميون ودوليون ساندوا فصائل محددة لتحقيق أهداف جيوسياسية، وأحزاب طائفية ربطت مصيرها بالحرب للحفاظ على سلطتها.
خلفيات الحدث: لبنان بين عاصفة الداخل وتدخل الخارج
لبنان كان يعيش في صراع دائم بين نظام الطائفية السياسية الذي يوزع السلطة على أساس ديني، وبين تحولات ديموغرافية ونفوذ فلسطيني متزايد.
اضطرابات اجتماعية واقتصادية، أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وتصاعد القوى الإقليمية في الصراع اللبناني-الفلسطيني، كلها عوامل أدت إلى انفجار الصراع.
كما أن الانقسامات العربية والإقليمية حول القضية الفلسطينية انعكست مباشرة على لبنان، ما جعل البلد ساحة مواجهة بدلاً من واحة سلام.
ماكينة الحرب: المليشيات كسلاح الطائفية
نشأت على الأرض عشرات المليشيات الطائفية، بعضها مدعوم من دول إقليمية، أخرى شكلتها جماعات فلسطينية، إضافة إلى تدخل الجيش السوري والإسرائيلي.
تدهور الدولة اللبنانية جعلها عاجزة عن فرض سيادتها، وحلّت مكانها جيوش موازية تفرض نفوذها بالقوة.
الحرب شهدت مجازر مروعة، تهجير قسري، وتدمير مدن كاملة، كما تحول لبنان إلى مرتع لصراعات بالوكالة الدولية.
الأطراف المتورطة: لعبة الإقليم والدول الكبرى
دخلت سوريا وإسرائيل وإيران، إلى جانب دول غربية وعربية أخرى، في صراعات بالوكالة في لبنان، ما ضاعف الأزمة وأطال أمدها.
كل قوة دعمت فصيلًا أو طائفة، ما جعل لبنان ساحة حرب معقدة ومتعددة الأبعاد.
الدول العربية بدورها كانت منقسمة بين دعم طرف وآخر، ما ترك اللبنانيين وحيدين في معركتهم الداخلية.
الحصيلة: دماء ضائعة وذاكرة مشوهة
خلفت الحرب اللبنانية أكثر من 150 ألف قتيل، ملايين النازحين داخليًا وخارجيًا، ودمارًا هائلاً للبنية التحتية.
لبنان بعد الحرب ظل يعاني من الانقسامات الطائفية، الفساد، والاحتلالات السياسية، وسط غياب دولة قوية.
الذاكرة اللبنانية لا تزال متصدعة، إذ كل طائفة تحكي قصة الحرب بطريقتها، مما يعيق المصالحة الحقيقية.
دفن الحقيقة: استمرارية الانقسام السياسي
رغم اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب رسميًا، إلا أن الانقسامات الطائفية والسياسية بقيت مسيطرة على المشهد.
القوى التي شاركت في الحرب صعدت إلى السلطة السياسية، مما حال دون محاسبة حقيقية أو معالجة شاملة للجراح.
الحقيقة المرة أن لبنان ظل مقسمًا بين أحزاب تقاتلت سابقًا، والانتخابات والسياسات لا تزال تُدار وفق نفس المحاور الطائفية.
خاتمة: لبنان... هل يملك الوطن فرصة للالتئام؟
الحرب الأهلية اللبنانية ليست فقط صراعًا مسلحًا، بل صراع ذاكرة وهوية وسيادة.
لبنان اليوم يُصارع أزماته العميقة، لكن دون شجاعة كافية لمواجهة ماضيه.
يبقى السؤال: هل سيتجاوز اللبنانيون عقدة الطائفية ويبنوا وطنًا موحدًا، أم ستظل الحرب متوارثة بأشكال أخرى، تزرع الانقسامات وتمنع السلام الحقيقي؟
سلسلة: الكوارث العربية الكبرى