
عندما اندلعت شرارة الثورة السورية عام 2011، كانت تتلمس طريقها بين آمال التغيير والكرامة، لكن سرعان ما تحولت إلى مأساة وطنية وعالمية، تتداخل فيها مصالح محلية وإقليمية ودولية، وتتحول البلاد إلى ساحة حرب أهلية دموية مفتوحة، توزّعت فيها القوى بين نظام ديكتاتوري، فصائل معارضة، تنظيمات جهادية، وتدخلات أجنبية.
كيف انقلب حلم الحرية إلى واقع من الخراب والدم؟
من المسؤول عن تفكيك سوريا؟ ومن المستفيد من حطام الدولة؟
وهل يمكن لسوريا أن تنهض من تحت الركام وتعيد بناء نفسها؟
ما الذي حدث؟
في مارس 2011، خرجت مظاهرات سلمية في مدينة درعا تطالب بالإصلاحات السياسية ورفع القمع، لكنها قوبلت بقمع دموي من قبل النظام السوري، ما أدى إلى تصاعد المواجهات وانتشار العنف في مناطق متعددة.
تحولت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، حيث ظهرت فصائل المعارضة المسلحة، وتدخلت قوى إقليمية ودولية دعماً لمواقف مختلفة.
استمرت الحرب لأكثر من عقد، مخلفة مئات الآلاف من القتلى، ملايين المهجرين داخلياً وخارجياً، وتدميراً واسعاً للبنية التحتية.
هل كانت الثورة مفتعلة؟ ومن المستفيد؟
الثورة كانت تعبيراً حقيقياً عن غضب شعبي تجاه النظام القمعي، لكن ما تبعها من حرب أهلية شهدت توظيفًا معقدًا من أطراف داخلية وخارجية، أدى إلى إطالة أمد النزاع وتحويله إلى صراع متعدد الأبعاد.
كان النظام حريصاً على تصوير الثورة كـ"مؤامرة خارجية" ومحاربة "الإرهاب"، مستغلاً ذلك لتبرير القمع.
في المقابل، استغلت قوى إقليمية ودولية الصراع لتحقيق مكاسب استراتيجية، من خلال دعم فصائل مختلفة، مما زاد من تعقيد الأزمة وأطال أمدها.
خلفيات الحدث: نظام مستبد ومطالب شعبية
سوريا، تحت حكم الأسد الأب ثم الابن، اتسمت بنظام سلطوي مركز، حيث غابت الحريات السياسية، وانتشرت ممارسات القمع والتعذيب.
الأزمة الاقتصادية، البطالة، والفساد أدت إلى تآكل الثقة بين النظام والشعب، بينما كانت الطبقة السياسية متماسكة حول مركز السلطة دون أفق للتغيير.
هذه العوامل مكّنت الشرارة الصغيرة في درعا من التوسع إلى ثورة شعبية واسعة.
ماكينة الحرب: نظام، فصائل وجماعات متعددة
النظام استخدم الجيش والأمن لقمع التظاهرات، بالإضافة إلى فرق الموت والميليشيات التابعة له.
في المقابل، تشكلت فصائل المعارضة من مجموعات متعددة، بعضها معتدل، وبعضها متطرف، إضافة إلى تنظيمات جهادية مثل داعش وجبهة النصرة.
تداخلت الميليشيات الأجنبية والمرتزقة، مما جعل سوريا ساحة معركة متعددة الأطراف، دمرتها صراعات المصالح.
الأطراف المتورطة: لعبة مصالح إقليمية ودولية
إيران وروسيا دعما النظام، بينما دعمت تركيا والولايات المتحدة ودول خليجية فصائل المعارضة، كل حسب مصالحه.
الاقتراب من سوريا تحول إلى صراع نفوذ بين القوى الكبرى، حيث تداخلت المصالح الإقليمية مع الدولية، تاركة السوريين وحدهم في معاناتهم.
الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بقيت عاجزة عن وقف العنف أو حماية المدنيين بشكل فعال.
الحصيلة: مآسي إنسانية ودمار شامل
أدى النزاع إلى مقتل أكثر من 600 ألف شخص، نزوح داخلي لأكثر من 6 ملايين، وتشريد ملايين في دول الجوار وأوروبا.
البنية التحتية دُمرت بالكامل في العديد من المناطق، والتعليم والصحة تراجعا بشكل حاد.
الشقاق المجتمعي زاد من عمق الجرح، مع ظهور نزاعات طائفية وعرقية معقدة.
دفن الحقيقة: تحييد العدالة
جرائم الحرب والانتهاكات ارتكبت من كل الأطراف، لكن لا محاسبة فعلية حتى الآن.
السياسات الدولية تفضّل استقرار نسبي على العدالة، واللعبة السياسية تحمي النظام وبعض الفصائل، مما يعيق عمليات المصالحة الحقيقية.
اللاجئون والمهجرون يعيشون حالة انتظار مستمرة دون أفق واضح للعودة أو الحل السياسي.
خاتمة: سوريا.. هل يستمر الحطام أم يشرق الفجر؟
الثورة السورية تجربة مأساوية تحذّر من مخاطر انعدام الحوار السياسي والاحتكام للعنف.
الحل يتطلب إعادة بناء الثقة الوطنية، ومحاربة الفساد، وضمان العدالة، مع تقليص التدخلات الخارجية.
لكن السؤال الأكبر يبقى: هل سيتعلم السوريون والعرب من هذه التجربة لتجنب تكرارها، أم أن سوريا ستظل مثالاً على الدمار والتفكك؟