
1. إرث الحرب الأهلية لم يُطوَ تمامًا
رغم انتهاء الحرب الأهلية في 2009، ما زالت سريلانكا تعيش آثار التهميش العرقي والثقافي، خاصة في الشمال الشرقي حيث الأغلبية التاميلية. الذاكرة الجمعية لم تندمل، والمصالحات التي أُنجزت لم تعالج الجذور. ما تزال المراقبة الأمنية والتهميش الاقتصادي تُعمّق جراح ما بعد الحرب.
2. الهند حاضرة.. ولكن بحذر
الهند تُراقب سريلانكا كعمق استراتيجي، وتخشى التوغّل الصيني عبر الموانئ ومشاريع البنية التحتية. ومع ذلك، تحاول نيودلهي تقديم نفسها كشريك معتدل مقارنة بالثقل الصيني، مركّزة على الدعم الإنساني والتبادل التجاري المتوازن.
3. الصين تدخل بثقل مالي لا سياسي
الصين لم تتدخل في النزاع الأهلي ولا في شؤون الهوية، لكنها تسلّلت من بوابة القروض والبنية التحتية. ميناء "هامبانتوتا" نموذج صارخ: تم تشييده بقرض صيني، وعندما عجزت الحكومة عن السداد، تم تأجيره لبكين 99 عامًا! إنها ديبلوماسية الديون، لا أكثر ولا أقل.
4. الاقتصاد وقع في فخّ الديون ثم انهار
نموذج "التنمية المدفوعة بالاستدانة" انهار عند أول صدمة عالمية. ومع الاعتماد على السياحة والتحويلات الخارجية، جاءت أزمة كوفيد، ثم الحرب في أوكرانيا، فانكشفت الهشاشة. في 2022، أعلنت الدولة إفلاسها رسميًا، وانفجرت الاحتجاجات.
5. صندوق النقد يكتب السيناريو من جديد
حلّ صندوق النقد محلّ الشعب، فأقرّ حزمة إنقاذ مشروطة بالتقشّف، خصخصة المرافق، وتحرير الأسعار. عاد الحكم إلى نخبة فشلت سابقًا، لكن برعاية دولية هذه المرّة. الشعب الذي أطاح بالحكم سابقًا، تم تجميده إعلاميًا وأمنيًا لصالح الاستقرار "المطلوب خارجيًا".
6. البوذية السياسية كأداة ضبط
الحكم يستند إلى أيديولوجيا بوذية قومية تروّج للوحدة من بوابة الدين، لكنها تُقصي الأقليات، وتستخدم الرموز الدينية لإخماد الاحتجاجات. المؤسسة الدينية شريكة في القرار، وليست محايدة، خاصة في دعمها للنظام في وجه الانتفاضات الشعبية.
7. الإعلام الغربي صوّرها كأزمة غذاء فقط
الخطاب الإعلامي الغربي اختزل الاحتجاجات في صور الجوع، متجاهلًا السبب الجوهري: نهب منظّم باسم التنمية، واستعمار ناعم عبر القروض. المعضلة لم تكن فقط نقص الوقود، بل تهميش الإرادة الشعبية لصالح مؤسسات فوق وطنية تُقرّر المصير.
8. الدولة لا تملك قرارها بعد
رغم السيادة الشكلية، إلا أن القرارات الجوهرية تُصاغ في واشنطن وبكين ونيودلهي، ثم تُسلَّم للحكومة على شكل شروط. الفضاء السياسي ضاق، والنقابات جُرِّدت من قوتها، والمعارضة أُعيد تشكيلها وفق قواعد التمويل الخارجي. هذه ليست دولة فاشلة، بل دولة مُدارَة.
خاتمة: نموذج للتجريب الدولي في دول الجنوب
سريلانكا لم تُهزم عسكريًا، لكنها أُخضعت اقتصاديًا، وتحوّلت إلى ساحة تجريب لنماذج "الإنقاذ" الدولي، حيث تُعاد صياغة الحكم وتوزيع الثروة دون تفويض شعبي. إنها مختبر حيّ لآليات السيطرة الناعمة، وجرس إنذار لما يمكن أن يُفرض على شعوب أخرى في لحظة ضعف.
سلسلة: دولة تحت المجهر