دولة تحت المجهر: لاوس – الاقتصاد الصامت تحت عباءة الصين

رغم أنها لا تتصدر العناوين ولا تتقاطع مع مصالح الكبار بصخب، إلا أن لاوس تمثل نموذجًا خفيًا لدولة تبتلعها الجغرافيا وتعيد تشكيلها الجيوسياسة. من بلد جبلي معزول، إلى بوابة صينية للنفوذ الاقتصادي في قلب الهند الصينية. فكيف تدار دولة لا صوت لها، ومن يُمسك بخيوط القرار فيها؟

1. التاريخ الاستعماري والتكوين الهش

لاوس دولة نشأت على أنقاض التاريخ، تخللتها هيمنة فرنسية خلال الحقبة الاستعمارية، ثم اجتثاث عنيف خلال الحرب الأمريكية على فيتنام، إذ كانت لاوس ساحة قتال سرّية للقصف الأميركي، مما دمّر بناها الأساسية. لم تخرج من الحرب بكيان سياسي قوي، بل بوراثة ثقيلة من الخراب والتبعية.

2. الموقع الجغرافي... عزلة قاتلة أم ميزة استراتيجية؟

لاوس دولة حبيسة، لا سواحل لها، محاطة بخمس دول، وهذا يجعلها رهينة للممرات البرية واقتصادات الجوار. لكن هذه العزلة تحوّلت إلى نعمة عند الصين، التي رأت فيها ممرًا حيويًا في مشروع "الحزام والطريق"، فجعلت منها نقطة عبور رئيسية للسكك الحديدية والتجارة.

3. الشيوعية الوراثية

يحكم لاوس حزب شيوعي أوتوقراطي لم يتغير منذ 1975. لا انتخابات حقيقية ولا تعددية حزبية، بل نظام مستنسخ من النموذج الفيتنامي/الصيني، حيث تُمزج الاشتراكية الشكلية بالرأسمالية الواقعية، تحت رقابة أمنية خانقة، وإعلام صامت.

4. الحضور الصيني الكاسح

من البنية التحتية إلى السدود إلى شبكات الاتصالات… تكاد لاوس تتحول إلى إقليم اقتصادي تابع لبكين. تدفقت القروض الصينية بأرقام فلكية، مقابل رهن أصول الدولة، مثل مشروع السكة الحديدية السريعة، الذي يعمّق تبعية لاوس لعقود مقبلة.

5. الديون والفخ الاستراتيجي

وقعت لاوس في فخ الديون الصينية، فهي لا تملك اقتصادًا إنتاجيًا يغطي القروض. وبدأت بعض المشاريع تُدار مباشرة من شركات صينية، مما يهدد بسيادة الدولة الاقتصادية. وهي أحد النماذج الأكثر وضوحًا لما يُعرف بـ"الاستعمار المالي الناعم".

6. موارد طبيعية... ولكن لمن؟

رغم امتلاكها للأنهار والغابات والمعادن، إلا أن استغلال هذه الموارد يتم غالبًا عبر استثمارات أجنبية، خصوصًا صينية وتايلندية، فيما يعاني السكان المحليون من النزوح البيئي ونقص الخدمات، دون أن ينعكس هذا الغنى الطبيعي على مستوى المعيشة.

7. الإعلام والتعتيم

لاوس واحدة من أكثر الدول عزلة إعلاميًا، إذ تخضع كل وسائل الإعلام لرقابة الدولة، ويُمنع النشاط السياسي المستقل. وهذا التعتيم يجعل من الصعب قياس ما يجري فعلًا، ويتيح للهندسات السياسية والمالية أن تمر دون مساءلة شعبية.

8. الشعب... بين الفقر والصبر

معظم سكان لاوس يعملون في الزراعة، والدخل الفردي من بين الأدنى في آسيا. لكن طبيعة المجتمع الريفي المسالم، إضافة إلى غياب أي أفق سياسي بديل، جعلت البلاد ساكنة سياسيًا، وصامتة رغم تغوّل التدخلات الأجنبية.

خاتمة

لاوس لا تظهر في نشرات الأخبار، لكنها تمثّل جبهة خلفية لهندسات كبرى، من الصين إلى تايلند. نموذج لدولة لم تعد تملك قرارها، بل تعيش على هامش الخرائط السياسية والاقتصادية، حيث تُصاغ السياسات من خارج الحدود، ويُختزل الشعب في صبره على ما لا يعرف كيف بدأ... ولا إلى أين سينتهي.

سلسلة: دولة تحت المجهر

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡