
السردية المنحازة:
عندما تُطلق دولة كبرى عملية عسكرية ضد بلدٍ فقير، أو حين يُقتل مدنيون تحت القصف، تُسارع وسائل الإعلام لتبرير ذلك بأنه "دفاع عن النفس". تُستحضر العبارات الجاهزة مثل: "ضربات استباقية"، "استهداف مواقع إرهابية"، "الرد على تهديد أمني"، حتى وإن لم يكن هناك اعتداء حقيقي، بل مجرد احتمالات أو ادعاءات لا تُثبَت.
من يحظى بـ"الحق"؟ ومن يُمنَع منه؟
في معظم الخطابات السياسية الغربية، تُمنَح إسرائيل على سبيل المثال هذا "الحق" بشكل مطلق، رغم كونها قوة احتلال، بينما تُنزع هذه الشرعية عن الشعب الواقع تحت الاحتلال. كذلك، يُصوَّر تدخل الناتو في دول مثل ليبيا أو العراق على أنه دفاع عن النفس أو عن "النظام الدولي"، بينما يُحرم السكان من حقهم في المقاومة.
الهندسة الأخلاقية للمصطلح:
تمّ تفريغ المصطلح من مضمونه الأصلي، وأُعيد تعبئته بمحتوى يخدم السياسات العدوانية للقوى الكبرى. لم يعد "الدفاع عن النفس" مرتبطًا باعتداء فعلي موثَّق، بل يمكن تفعيله ضد "خطر محتمل"، أو حتى ضد "أيديولوجيا" تُعتبر تهديدًا للمنظومة الغربية.
أثر المصطلح على الرأي العام:
الخطورة في هذا الاستخدام المضلل تكمن في أنه يُصوّر الضحية كتهديد، والجلاد كطرف مضطر للدفاع عن نفسه. وبذلك، يُنتج خطابًا يجعل القصف مشروعًا، والاحتلال دفاعًا، والمقاومة إرهابًا.
المصطلح كما يُسوَّق:
"لإسرائيل الحق الكامل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإرهابية."
"الولايات المتحدة شنّت ضربات دقيقة ضد أهداف تشكّل خطرًا على أمنها القومي."
"ما قامت به القوات هو إجراء وقائي في إطار الدفاع عن النفس."
المعنى الحقيقي للمصطلح:
حق الدفاع عن النفس يجب أن يكون استجابة فورية ومتناسبة مع خطر واضح وفعلي، وليس ذريعة دائمة تُستخدم لتبرير الحروب الاستباقية أو قمع الشعوب.
الفرق الجوهري:
السردية الإعلامية | المعنى الحقيقي |
---|---|
استخدام القوة ضد خطر "محتمل" | استخدام القوة فقط عند التعرض لهجوم فعلي |
احتلال الأرض يمكن تبريره كـ"دفاع" | لا يمكن للغازي أو المحتل الادعاء بهذا الحق |
المعيار مزدوج بحسب التحالفات | الحق يجب أن يكون عامًا وشاملًا للجميع |
خلاصة:
"حق الدفاع عن النفس" تحوّل من مبدأ قانوني إلى سلاح لغوي تستخدمه الدول الأقوى لإضفاء الشرعية على انتهاكاتها. وحين يُصاغ الخطاب بهذه الطريقة، يصبح العالم منقسمًا بين من يمتلك "الحق المطلق في الرد"، ومن يُطالَب بالصمت حتى وهو يُباد.