مصطلحات مضللة: حرية التعبير: بين الإستغلال والتمادي في الإساءة

"حرية التعبير" هي أحد الحقوق الأساسية التي تضمن للإنسان التعبير عن آرائه وأفكاره دون خوف من العقاب أو القمع، ما دام ذلك لا ينطوي على دعوة للكراهية أو العنف أو المساس بحقوق الآخرين.

وهي حجر أساس في النظم الديمقراطية الحقيقية التي تحترم كرامة الإنسان وحقه في المشاركة المجتمعية والسياسية، وتمثل جوهر التواصل المجتمعي الحرّ والمفتوح.

الاستخدام السياسي المضلل

في الخطاب الغربي، تُستخدم "حرية التعبير" بشكل انتقائي يخدم الأجندات السياسية والثقافية المسيطرة. تُفعَّل هذه الحرية حين تُستخدم ضد خصوم الغرب (مثلاً: في انتقاد الأديان غير المسيحية أو الحكومات المعارضة للنفوذ الغربي)، لكنها تُعطّل حين تُستخدم لفضح جرائم الحرب، أو دعم حركات المقاومة، أو انتقاد اللوبيات المتنفذة مثل اللوبي الصهيوني أو الصناعات العسكرية.

فنرى منصات تدّعي دعم حرية التعبير، تُغلق الحسابات التي تتضامن مع فلسطين أو تندد بالاحتلال، بينما تُتيح في الوقت ذاته مساحات رحبة للخطاب العنصري، أو لنشر الإساءة للإسلام تحت شعار "حرية النقد".

حرية الإساءة.. لا حرية التعبير

في مشاهد متكررة، يُحرَق المصحف الشريف علنًا في بعض الدول الغربية تحت شعار "حرية التعبير"، دون أن يُعد ذلك "خطاب كراهية". بل وتخرج وزارات الخارجية لتدافع عن الحادثة على أنها "رأي شخصي".
أما حين يُعبّر ناشط فلسطيني عن رفضه للاحتلال أو تُنشر صور ضحايا العدوان على غزة، يُصنَّف ذلك فورًا على أنه "تحريض"، ويُحظر المحتوى وتحذف الحسابات.

إنّ هذه الازدواجية الفجّة تُظهر كيف تحوّلت حرية التعبير إلى سلاح ناعم يُستخدم في الهجوم الثقافي، وتبرير الإهانة، وزرع الاستفزازات التي تمهّد للصراعات أو لترويض الشعوب عقائديًا.

حرية التعبير كأداة سيطرة ثقافية

حرية التعبير لم تعد مبدأ إنسانيًا عامًا في يد الغرب، بل أصبحت أداة لترويج خطاب أحادي يفرض النموذج الثقافي الغربي ويقصي الهويات الحضارية الأخرى. يتم ذلك عبر:

  • تسفيه الرموز الدينية والمقدّسات الإسلامية تحديدًا.
  • دعم الخطاب العلماني الإقصائي في المجتمعات الإسلامية.
  • إسكات الأصوات التي تكشف جرائم الاستعمار أو تفضح التاريخ الدموي للدول الغربية.

كما تُمارَس رقابة ناعمة في منصات التواصل، حيث يُمنع الخطاب التحرري، ويُروّج فقط للخطاب الذي يتماشى مع السياسات الإعلامية الغربية.

حرية مقنّنة للموالين.. ومحرّمة على المناهضين

عندما تنتقد فنانًا غربيًا بسبب إساءته للإسلام، فأنت "متطرف". وعندما ترفع علم فلسطين أو تنتقد جرائم "إسرائيل"، تُصنّف "محرّضًا".
لكن في المقابل، من يُنتج رسومًا تسيء للأنبياء، أو يُهين كتابًا سماويًا، يُدافع عنه باعتباره بطلاً لحرية التعبير.

وهكذا يتضح أن "حرية التعبير" ليست مبدأً بل أداة نفوذ سياسي وثقافي، تُستخدم لضرب القيم الدينية والأخلاقية للمجتمعات الأخرى، وتُقيّد عندما تُهدد مصالح القوى الكبرى.

الخلاصة 

ما يُسمّى بـ"حرية التعبير" في الغرب ليس قيمة إنسانية مطلقة، بل واجهة ناعمة لأجندة انتقائية.
إنه مصطلح تُمسك به النخبة السياسية والإعلامية كوسيلة للهجوم الرمزي على الخصوم، وترويض الوعي الجمعي للشعوب الأخرى، خاصة المسلمين.

وإذا لم يُكشف هذا التناقض، فقد تستمر هذه "الحرية المسمومة" في تمزيق الهوية الثقافية والدينية للشعوب، وتكريس الهيمنة من بوابة القيم الإنسانية الزائفة.

سلسلة: مصطلحات مضللة شائعة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.