
فمن يُحاسب القتلة؟ وأين اختبأت العدالة الدولية حين اختنق الأطفال تحت الأنقاض؟
مسرح الجريمة: غزة تحت القصف
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، سقط آلاف الأطفال بين شهيدٍ وجريح ومفقود. المدارس أُبيدت وهي مكتظة بالنازحين، المستشفيات دُكّت فوق المرضى، العائلات مُسحت بالكامل. هذه ليست مبالغات، بل تقارير موثّقة من وكالات أممية مثل الأونروا، واليونيسف، والصليب الأحمر.
لكن ورغم هذا التوثيق الهائل، فإن الخطاب الغربي الرسمي لا يزال يتحدّث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، دون أي ذكر لحق الضحية في الحياة، أو لحق الأطفال في الأمان.
ازدواجية المحكمة: عندما تتحوّل العدالة إلى أداة سياسية
من المدهش أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي بوتين بسبب نقل قسري مزعوم لأطفال أوكرانيين، لكنها لم تُصدر شيئًا بحق قادة الاحتلال، رغم أن الصور القادمة من غزة لا تحتمل التأويل: أطفال مقطّعو الأوصال، أجنّة تُستخرج من بطون الأمهات، ومستشفيات الولادة تُقصف عمدًا.
العدالة هنا ليست عمياء... بل عوراء، ترى الضحية فقط حين تُناسب سردية الغرب، وتصمّ آذانها حين يكون القاتل حليفًا.
المنظمات الحقوقية الكبرى: أين اختفى الصوت؟
أين هي هيومن رايتس ووتش؟ وأين اختفت منظمة العفو الدولية؟
لماذا لم نرَ حملات عالمية تُطالب بمحاسبة الجناة؟ لماذا لم تُعلَّق عضوية الاحتلال في الأمم المتحدة، كما حدث مع روسيا؟
لقد اتضح أن تلك المنظمات، رغم دورها في توثيق بعض الانتهاكات، ليست مستقلة تمامًا، بل تتحرّك ضمن حدود المسموح الغربي، وتلتزم بالمسطرة السياسية للمانحين.
إنها منظمات لا تملك سوى أن "تعرب عن القلق"، بينما تسيل دماء الأطفال وتُدفن بأغطية الأمم المتحدة.
الإعلام ودوره في طمس الجريمة
العدالة تبدأ من الحقيقة، لكن الإعلام الغربي لعب دورًا خطيرًا في تشويش الحقيقة. بدلًا من نقل الصورة كما هي، انشغل بالحديث عن "أنفاق حماس تحت المستشفيات"، أو "استخدام المدنيين كدروع بشرية"، وكأن هذا يُبرّر قصف الحضانات!
لم يسأل أحد: لماذا لا يُحاسَب مَن أطلق الصواريخ على مدرسة أممية؟ لماذا يُمنع الوقود عن حاضنات الأطفال؟ لماذا لا يُحاسَب من يرتكب جريمة جماعية أمام عدسات الكاميرات؟
الإعلام هنا لم يكن مرآة للواقع، بل غطاءً للقاتل.
الحصانة المطلقة: عندما يتحوّل الدم إلى سياسة
المشكلة ليست في غياب الأدلة، بل في وجود حصانة دولية للقاتل. فطالما أن القاتل هو حليف الغرب، فدم الضحايا "تفصيل مؤسف". هكذا تحوّل الأطفال من كائنات بريئة إلى أرقام هامشية، لا تستحق غضب العالم، ولا حتى تغريدة من مسؤول غربي.
إنها حصانة ليست قانونية فحسب، بل أخلاقية، تُمنح لمن يشارك في نادي النفوذ، وتُسحب فقط من الخصوم.
من يُحاسب إذًا؟
إن سؤال "من يُحاسب القتلة؟" أصبح أكثر من سؤال قانوني. إنه سؤال وجودي:
هل هذا النظام الدولي قادر على تحقيق العدل؟
أم أنه شُيّد لحماية الأقوياء فقط؟
هل ما زال للدم قيمة إن لم يكن صاحبه أوروبيًا أو أمريكيًا؟
وهل ننتظر من القاتل أن يحاكم نفسه؟
الجواب المؤلم: هذا العالم لا يحاكم القتلة... بل يحاكم المقهورين حين يصرخون.
خاتمة:
ما يحدث في غزة ليس فقط جريمة ضد الإنسانية، بل فضيحة أخلاقية للنظام العالمي. جثث الأطفال المُنتشلة من تحت الركام ليست فقط مأساة إنسانية، بل صرخة في وجه عدالة عوراء، صمّاء، مُسيسة.
ولأن القاتل لم يُحاسب اليوم، فإن العالم بأسره قد صار شريكًا بالصمت.
لكن الشعوب لا تنسى.
والتاريخ لا يرحم.