
قراءة في تصدّع الخطاب الصهيوني داخليًا، وأثر فشل الردع على تماسك المجتمع العبري
في اللحظة التي تشتد فيها الصراعات على الأرض، لا يقل أهمية ما يحدث في "السرد" الذي يروّج له الاحتلال داخل مجتمعه، فهو يعكس عمق الهزيمة أو قوة الصمود، ويحدد مدى قدرة هذا المجتمع على تجاوز أزماته. ما نشهده اليوم بعد مجازر غزة والردود الفشلية للاحتلال في فرض ردع فعلي، هو أزمة سردية حقيقية تهز تماسك المجتمع العبري داخليًا.
التصدع في الخطاب الصهيوني: أزمة ثقة في الردع
لطالما اعتمدت الرواية الصهيونية الرسمية على مفاهيم "القوة" و"الردع" كأساس لشرعية الاحتلال وللإبقاء على تماسك المجتمع العبري خلف قيادته السياسية والعسكرية. كان الردع يعكس تفوقًا عسكريًا لا يُقهر، يعزز الشعور بالأمن داخل الكيان، ويُبرر كل سياسة قمع واحتلال.
لكن ما تكشّف في غزة وما تبعه من صدمة في الداخل الإسرائيلي، فضح هشاشة هذه الرواية. الفشل في ردع حركة المقاومة، وتكرار الهجمات التي تقرّب الجبهات إلى قلب المدن الإسرائيلية، أحدث شرخًا في الخطاب الرسمي الذي لم يعد قادرًا على تقديم إجابات مقنعة، ما أضعف من ثقة الجمهور بالقيادة الأمنية والسياسية.
أثر الانهيار السردي على المجتمع العبري
- الانقسامات السياسية المتزايدة: صراعات حادة بين الأحزاب اليمينية المتشددة والوسط واليسار حول كيفية التعامل مع الأزمة، وظهور موجة احتجاجات غير مسبوقة.
- تآكل الثقة في المؤسسات الأمنية: الشكوك المتزايدة تجاه قدرة الجيش والاستخبارات على حماية المواطنين، وظهور أصوات تنتقد بشدة الأداء الأمني.
- احتقان شعبي متصاعد: تعبّر عنه احتجاجات في المدن المختلطة، وارتفاع خطابات الكراهية ضد العرب وحتى داخل الطوائف اليهودية المختلفة.
- تزايد الهجرة العكسية والخوف من المستقبل: تصاعد مشاعر عدم الأمان التي دفعت بعض المستوطنين واليهود إلى التفكير في الهجرة.
من يقنع الداخل؟
السؤال الجوهري: من يمكنه اليوم إعادة بناء سردية مقنعة داخل المجتمع العبري؟ خصوصًا في ظل أزمة ثقة عميقة وفشل في سياسات الردع؟
- القيادة السياسية والعسكرية مطالبة بإعادة صياغة خطابها ليكون أكثر واقعية وشفافية، فالتغطية على الإخفاقات لن تنجح.
- المجتمع المدني الإسرائيلي، رغم محدودية تأثيره، يحاول تقديم سرديات بديلة تركز على ضرورة البحث عن حل سياسي حقيقي، لكن هذه الأصوات تواجه مقاومة عنيفة.
- التيارات الدينية واليمينية المتطرفة تحاول الحفاظ على سردية "القوة" والردع، لكنها باتت تبدو معزولة عن واقع الميدان.
الخاتمة
أزمة السرد في الداخل الإسرائيلي ليست مجرد أزمة خطابات، بل انعكاس عميق لفشل مشروع احتلالي يتهاوى على الأرض. فشل الردع الذي كان الركيزة الأساسية، شكّل بداية لتصدع هوية المجتمع العبري الذي يحتاج اليوم إلى مراجعة جذرية. كيف سيواجه الاحتلال هذه الأزمة السردية؟ وهل يمكن للخطاب أن يُعيد جمع شتات الداخل في ظل هزائم متلاحقة؟ أم أن ما نشهده هو بداية انهيار طويل الأمد لأوهام القوة المزعومة؟