إعلامهم لا يعكس الواقع: كيف تُصاغ الكذبة وتُباع على أنها رواية؟

تفكيك آليات التضليل الإعلامي في تغطية الحروب وتبييض وجه الاحتلال عبر مصطلحات "الضربات الدقيقة" و"الدفاع المشروع"

في عالم يغرق في فيض المعلومات، لا تعد الحقيقة سوى أحد الخيارات التي تُعرض على الجمهور، وسط بحر من السرديات المزيفة والأكاذيب المغلفة بمصطلحات توحي بالمصداقية. خاصة في أوقات الحروب، حيث تتحول وسائل الإعلام إلى أدوات حرب ناعمة، تهدف إلى تشكيل الوعي العالمي بما يخدم أجندات الاحتلال، ويطمس معاناة الضحايا. كيف تُصاغ الكذبة الإعلامية بهذه المهارة، وتُسوّق على أنها "رواية حقيقة"؟

الحرب على الحقيقة: أدوات التضليل الإعلامي

1. "الضربات الدقيقة": تزييف الواقع بحرفنة لغوية

مصطلح "الضربات الدقيقة" هو من أبرز أسلحة اللغة في التضليل الإعلامي. فهو يوحي بأن العمليات العسكرية تجري باحترافية متناهية، تستهدف فقط "الأهداف الشرعية" وتقلل من الضرر المدني إلى الحد الأدنى. ولكن الواقع الميداني يكشف عن دمار واسع ومجازر ترتكب بحق المدنيين، يتم تجاهلها أو تقليلها في الإعلام الرسمي.

هذه العبارة ليست سوى غطاء يخفف من شناعة العدوان ويُعفي الاحتلال من المسؤولية، في محاولة لإعادة إنتاج صورة "جيش يحترم القوانين الدولية"، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة.

2. "الدفاع المشروع": تبرير العدوان وتحويل الضحية إلى جلاد

مصطلح آخر يُستخدم بكثافة في خطاب الإعلام الغربي والصهيوني هو "الدفاع المشروع". هذه العبارة تمنح الاحتلال غطاءً شرعيًا لمجازره، وتبرر الاعتداءات الوحشية على المدنيين باعتبارها رد فعل على "تهديدات إرهابية".

هذا التبرير المزدوج يحول المعتدي إلى مدافع عن نفسه، بينما يُصور الضحايا كخطر يستدعي الاستئصال، ما يجعل الصورة الإعلامية منحازة تمامًا لصالح الاحتلال ويخفي عمق الظلم الواقع على الفلسطينيين.

3. التضليل بالصور والمشاهد الانتقائية

الإعلام الرسمي كثيرًا ما يستخدم لقطات منتقاة بعناية، تعرض فقط المشاهد التي تعزز الرواية الرسمية: تدمير بعض المنشآت العسكرية أو صورًا لجنود يبدون متحفظين أو متعاطفين. في المقابل، تُحجب مشاهد الدمار الواسع، الأطفال الشهداء، واللاجئين الذين تهاجر بهم المدن.

هذا الانتقاء يخدع الجمهور ويدفعه إلى تصديق الرواية الرسمية التي تُراد أن تُبقى في دائرة التبرير والتجميل.

4. تقنيات التشويش الإعلامي

تشمل هذه تقنيات تغيير العناوين، تضخيم أخطاء الطرف الآخر، تكرار المعلومات المغلوطة، وتوجيه الانتباه إلى تفاصيل ثانوية لإلهاء الجمهور عن الصورة الحقيقية للعدوان.

كل ذلك يتم بطريقة ممنهجة لإضعاف قدرة المتلقي على قراءة الواقع بوضوح، وزرع الشكوك حول مصادر المعلومات الحقيقية.

لماذا تستمر هذه الكذبة الإعلامية؟

  • تحكم مراكز القوة في وسائل الإعلام: السيطرة الغربية والإسرائيلية على عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية تضمن بث هذه السرديات.
  • غياب منابر بديلة قوية وموثوقة: رغم وجود منصات مقاومة، إلا أن تأثيرها لا يزال محدودًا مقارنة بالقنوات الرسمية.
  • تعقيد المشهد الإعلامي وسرعة الانتشار: يصعب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والتضليل وسط فيضان الأخبار المتسارع.

الخلاصة

الإعلام الرسمي الذي يرافق الحروب، وبخاصة في قضايا الاحتلال، لا يعكس الواقع، بل يصنع سردية موجهة تخدم مصالح الاحتلال وتبرر جرائمه. مصطلحات مثل "الضربات الدقيقة" و"الدفاع المشروع" ليست مجرد كلمات بل أدوات خداع لغوي، تستهدف طمس معاناة الضحايا وتحويل العدوان إلى دفاع.

لفك شفرة هذه التضليلات، يحتاج المتلقي إلى وعي نقدي عميق، والبحث المستمر عن مصادر معلومات مستقلة، والتمسك بحقائق الأرض التي تُدفن خلف ستار الكلمات البراقة.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.