الاستقلال المزيف: القواعد العسكرية كأداة وصاية لا شراكة

(ضمن سلسلة: الاستقلال المزيف والوصاية المعاصرة)

تُقدَّم القواعد العسكرية الأجنبية في بعض الدول بوصفها "شراكات استراتيجية"، و"تحالفات دفاعية"، بل أحيانًا كضمانة للاستقرار الداخلي.
لكن الحقيقة أقل تجميلًا بكثير:
فما يُروَّج له كشراكة، ليس إلا غطاءً ناعمًا لوصاية صارمة، تمسّ جوهر السيادة وتُخضِع القرار الوطني للأجندات الخارجية.

هل هي قواعد دفاعية أم مواقع سيطرة؟

حين تتمركز قوة عسكرية أجنبية داخل أراضي دولة ما، فإننا لا نتحدث فقط عن اتفاق تقني.
بل عن تحوّل في ميزان القوة، ووجود مباشر لعينٍ خارجية تراقب، وتتدخل، وتُمسك بخيوط القرار.

تلك القواعد ليست مجرد ثكنات، بل:

  • مراكز استخبارات متقدمة
  • أدوات مراقبة لكل ما يجري في البلد والمنطقة
  • نقاط ضغط جاهزة ضد أي قرار "غير منضبط"
  • ضمانة لاستمرار نظامٍ مطواع، تحت طائلة الإزاحة أو التشهير أو الحصار

انتفاء الندية في "التحالف"

في أدبيات العلاقات الدولية، التحالفات العسكرية تقوم بين أطراف متكافئة الإرادة، تُقرر معًا، وتنسحب معًا، وتفاوض بنديّة.
لكن القواعد العسكرية الغربية في دول الجنوب لا تخضع لهذا المنطق:

  • لا يمكن لتلك الدولة أن تطلب مغادرة القاعدة متى شاءت
  • لا تمتلك سلطة تفتيش أو رقابة على ما يجري داخل القاعدة
  • لا تملك معلومات دقيقة عن المعدات أو المهمات أو الأنشطة الجارية
  • لا يُعلم إن كانت تُستخدم قاعدة للهجوم على دول أخرى من أراضيها

وهذا بحد ذاته خرقٌ صريح لمفهوم السيادة.

الخريطة الحقيقية لانتشار الوصاية

ليست القواعد العسكرية مسألة أمنية فقط، بل جغرافيا سياسية تؤسس لحالة تبعية دائمة.

  • في أفريقيا: تتوزع عشرات القواعد الفرنسية والأمريكية في دول لا تملك حتى حماية عاصمتها من الانقلابات
  • في الشرق الأوسط: تتمركز قواعد ضخمة على مقربة من منابع الطاقة وممرات التجارة
  • في آسيا: تنشأ القواعد تحت ذريعة "محاربة الإرهاب" لتصبح لاحقًا أدوات تطويق لدول كبرى منافسة

وهكذا، تتحول الجغرافيا إلى طوق، وتتحول الدولة المستضيفة إلى "رأس جسر" لمصالح ليست لها.

الحضور العسكري بوصفه جزءًا من نظام السيطرة

لا تُفهم القواعد العسكرية إلا ضمن شبكة أعقد من أدوات السيطرة:

  • قاعدة عسكرية + معونة اقتصادية + اتفاقيات استثمار + نفوذ إعلامي + منظمات مجتمع مدني
    = دولة مخترقة بالكامل

وحين تقع المواجهة بين الإرادة الوطنية ومصالح الدولة المتمركزة، فإن النتيجة معروفة سلفًا:
تُقمع الإرادة، ويُعاد إنتاج التبعية باسم الأمن والاستقرار.

🇺🇳 التبريرات: استقرار.. أم احتلال ناعم؟

تُقال كثير من التبريرات لتلك القواعد:

  • دعم مكافحة الإرهاب
  • حماية الملاحة الدولية
  • مساعدة في ضبط الحدود
  • تدريب الجيوش الوطنية

لكن الحقيقة أن الإرهاب لا يُهزم من داخل القواعد،
وأن الدول التي تحتضن القواعد لعقود، لا تصبح أكثر استقرارًا، بل أشد تبعية، وأقل قدرة على اتخاذ القرار المستقل.

السيادة لا تُؤجَّر

حين تُؤجَّر الأرض للأجنبي ليُقيم عليها جيشًا دائمًا، فإنك لا تبيع قطعة أرض، بل تُفرّط بجزء من إرادتك.
فلا يُعقل أن يُعتبر بلدٌ "مستقلًا" وهو يحتضن في قلب عاصمته قوةً أجنبية لا يعرف حتى ماذا تخطط.

إن السيادة التي تُؤجَّر.. لا تُسترد بسهولة.

سلسلة: الاستقلال المزيف والوصاية المعاصرة

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡