
عودة العقيدة الهجومية: من الدفاع إلى "الردع الموسّع"
رغم أن الناتو تأسّس رسميًا كتحالف دفاعي، إلا أن قمّة 2025 كشفت عن تحوّل حاد في نَفَس الحلف. عبارات مثل "الردع الوقائي" و"الاستجابة الميدانية العالمية" و"حماية المصالح الحيوية خارج المجال الأوروبي" لم تعد تُستخدم بمواربة، بل أدرجت في نصوص رسمية تؤسس لعقيدة هجومية واضحة. لم يعد الحلف يكتفي برد الفعل، بل يعيد تشكيل أدواته لتكون أذرعًا طويلة تصل إلى ما وراء المحيطات، بذريعة "الاستقرار العالمي".
أوكرانيا من ورقة إلى مِعبر: توسيع الحلف شرقيًا
رغم أن أوكرانيا لم تنضم رسميًا بعد، فإن القمّة ثبّتت التزامًا غربيًا واسعًا بدمجها ضمن المنظومة العسكرية للناتو. تم الإعلان عن دعم دائم، ومكاتب تنسيق مشتركة، واستمرار تزويدها بأنظمة تسليح غربية متقدمة. هذا لا يعني فقط إطالة أمد الحرب مع روسيا، بل تحويل أوكرانيا إلى منصة صلبة لشنّ ضغوط استراتيجية متواصلة على الجوار الروسي. هكذا يتحول التوسّع الشرقي للناتو من مشروع جيوسياسي إلى واقع ميداني مفتوح على التصعيد.
الصين في مرمى الخطاب: آسيا تدخل تحت المظلّة الأطلسية
للمرة الأولى، يتحدث الناتو في بيانه الختامي عن "التهديدات المنهجية التي تمثلها الصين" بشكل مباشر. لم تعد آسيا بعيدة عن دائرة اهتمام الحلف، بل جرى توسيع خريطة الأمن الأطلسي لتشمل المحيطين الهندي والهادئ. مشاركة وفود من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا في القمّة تكشف عن نية واضحة لتصدير "الناتو الآسيوي" بلبوس جديد، ما يعني نقل المواجهة نحو مساحات استراتيجية تمسّ عمق مصالح بكين.
ناتو ما بعد غزة: أزمة صورة أم إعادة تموضع؟
تأتي هذه القمّة بعد الزلزال الأخلاقي الذي أحدثته مجازر غزة، التي جرى توثيق مشاركة أسلحة الناتو في ارتكابها بشكل مباشر. صمت الحلف تجاه هذه الانتهاكات أضعف صورته عالميًا، خصوصًا في نظر شعوب الجنوب. لذلك، يبدو أن التصعيد في خطاب القمّة ليس فقط من أجل "ردع الخصوم"، بل أيضًا من أجل إعادة تموضع أخلاقي، وتثبيت صورة بديلة عن الحلف كضامن "للاستقرار العالمي"، رغم أن الواقع يعكس تورّطه في عدم الاستقرار.
هل يملك الغرب رفاهية الحرب المفتوحة؟
رغم نبرة الحزم والتصعيد، فإن الناتو يواجه داخليًا تصدعات سياسية واقتصادية، خصوصًا في ضوء تعثر الجبهة الأوكرانية، والتباين بين ضفتي الأطلسي في الرؤية والاستعداد. الاقتصاد الأوروبي يئنّ، والشارع الغربي لم يعد مستعدًا لتضحيات طويلة تحت شعارات الحرب الباردة. والسؤال الجوهري: هل ما زال الغرب قادرًا فعلاً على خوض مواجهات مفتوحة؟ أم أن لغة "الردع" تخفي هشاشة استراتيجية يجري تغليفها بمسرح إعلامي؟
خاتمة
ليست قمة الناتو 2025 مجرد محطة دورية، بل لحظة كاشفة لتحوّلات عميقة في بنية الحلف وعقيدته. إنه حلف يحاول أن يعود إلى خط المواجهة، لكنه يفعل ذلك في عالم لم يعد كما كان. القوى الصاعدة لم تعد تتلقى التعليمات، والخرائط القديمة لم تعد تُخيف. وما يبدو "ردعًا" من جهة، قد يُفسَّر من الجهة المقابلة كاستفزاز... يدفع الجميع نحو صدام لم يعد أحد يملك ترف النجاة منه.