
في السنوات الأخيرة، شهدت التحالفات الغربية الكبرى، وعلى رأسها حلف شمال الأطلسي (NATO) والاتحاد الأوروبي (European Union)، تحولات عميقة وأزمات متعددة تُشكّل تهديدًا ملموسًا لوحدة الغرب وفعالية هيمنته العالمية. لم تعد هذه التحالفات تتصرف ككتلة موحدة تتخذ قرارات حاسمة ومتناغمة، بل باتت تبدو مشروخة ومفتتة تحت ضغط التناقضات الداخلية والتحديات العالمية.
أبعاد التصدع في التحالفات الغربية
أولى عوامل التصدع تكمن في التباينات الواضحة بين الولايات المتحدة وأوروبا، والتي ظهرت جليًا في الخلافات حول إدارة الأزمة الأوكرانية والتعامل مع روسيا، وكذلك في السياسات تجاه الصين. هذه الخلافات لم تعد تقتصر على تفاصيل إجرائية بل وصلت إلى جوهر الاستراتيجيات والسياسات، ما أدى إلى ضعف موثوقية التنسيق والتخطيط المشترك.
على الصعيد الداخلي، تصاعدت في دول الغرب التيارات القومية والانعزالية، التي ترفض القبول بسياسات الاتحاد الأوروبي الموحدة أو المساهمة في التحالفات العسكرية. هذا الاتجاه يضعف من اللحمة السياسية داخل هذه الدول، ويُصعب عليها الوفاء بالتزاماتها الدولية، ما يزيد الانقسامات في التحالفات.
إضافة إلى ذلك، تعاني دول الغرب من أزمات اقتصادية واجتماعية معقدة، من بينها التفاوت الطبقي، والبطالة، وأزمات الهجرة، والضغوط الصحية بعد جائحة كورونا، كل هذه العوامل تعيد توجيه التركيز إلى القضايا الداخلية بدل السياسة الخارجية المشتركة.
انعكاسات تصدع التحالفات على النظام الدولي
تراجع التنسيق الغربي أدى إلى خلق فراغات استراتيجية استغلتها قوى صاعدة مثل روسيا والصين لتعزيز نفوذها إقليميًا وعالميًا. كما أن ضعف الإجماع في الغرب جعل من الصعب فرض إرادة موحدة في أزمات كالحرب في أوكرانيا أو التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما ساعد على تعقيد الأوضاع وزيادة الانقسامات الدولية.
هل تواجه الهيمنة الغربية نهايتها؟
على الرغم من هذه الاضطرابات، لا تزال الدول الغربية تحتفظ بقوة عسكرية واقتصادية هائلة، وبشبكات تحالفات واسعة. لكن نجاحها في المستقبل يعتمد على قدرتها على إعادة صياغة تحالفاتها بطريقة أكثر مرونة، تتناسب مع التحولات الجديدة في النظام الدولي، وتقبل فكرة التعددية القطبية بدل الهيمنة المطلقة.