خارطة الاصطفافات الجديدة عربيًا بين انكشاف الأنظمة وتصاعد الشعوب

شهدت المنطقة العربية في أعقاب حرب غزة الأخيرة تحولات جذرية في مواقف اللاعبين العرب، تعكس أزمة ثقة عميقة بين الشعوب وأنظمتها السياسية، وتكشف عن انفصالات حقيقية في موازين القوى والمواقف التي كانت تبدو ثابتة لفترات طويلة.
انكشاف الأنظمة: هل انتهى زمن الاستقلالية السياسية؟
أظهرت الحرب على غزة مدى هشاشة استقلالية القرار لدى العديد من الأنظمة العربية، التي وجدت نفسها محاصرة بين ضغط القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، وضرورة الحفاظ على علاقات استراتيجية اقتصادية وأمنية. هذا الواقع كشف مجددًا عن الوصاية السياسية التي تمارسها القوى الكبرى على حكومات عربية عدة، حيث تفضّل هذه الأنظمة الصمت أو تبني مواقف تبريرية بدل اتخاذ مواقف دعم واضحة وعملية.
هذا الانكشاف لم يكن جديدًا لكنه أصبح أكثر وضوحًا، إذ إن الأنظمة التي ظلت لسنوات تتحدث عن التضامن العربي تجاه القضية الفلسطينية، لم تستطع أن تترجم ذلك على الأرض بحماية حقيقية أو حتى بمواقف سياسية مؤثرة، ما أربك المشهد العربي وأضعف دور هذه الأنظمة في قيادة أي تحرك جماعي.
تصاعد الشعوب: بزوغ خطاب وطني مقاوم جديد
على النقيض، شهدت الشارع العربي تصاعدًا في الخطاب الشعبي المناهض للوصاية السياسية، ورفضًا متزايدًا للأدوار التبعية التي تلعبها الأنظمة. عبرت الشعوب العربية عن غضبها العميق من هذا الواقع، من خلال احتجاجات شعبية ومبادرات دعم لفلسطين وغزة، كما عادت رموز المقاومة إلى الواجهة كجزء من الهوية الجماعية.
هذا التصاعد يعكس حالة استنهاض شعبي غير مسبوق، حيث أصبحت القضية الفلسطينية أكثر ارتباطًا بنضال التحرر الوطني، بعيدًا عن التحالفات السياسية الرسمية التي لم تعد تعبر عن تطلعات الشعوب.
إعادة رسم خارطة الاصطفافات: اللاعبين الجدد والأدوار المتغيرة
مع هذا التحول، بدأت تتغير خارطة الاصطفافات في المنطقة، إذ نشهد تباينات واضحة في مواقف بعض الدول التي تسعى إلى إعادة صياغة علاقاتها، بما في ذلك محاولة الحفاظ على توازن بين مصالحها مع الغرب، ودعم القضايا الوطنية التي تمس الشعوب.
كما برزت قوة متجددة لحركات المقاومة والفصائل التي تحاول استغلال هذا الغضب الشعبي لتشكيل تحالفات جديدة، تستند إلى دعم شعبي وقاعدة اجتماعية متينة، في مواجهة محاولات إحكام الوصاية على القرار العربي.