اللاعبون الخفيون - الطاقة والسلاح والتكنولوجيا: لوبي التكنولوجيا: حين تتحول الشركات الرقمية إلى أدوات سيطرة عالمية

في السابق، كانت أدوات السيطرة تتمثل في الجيوش والأسلحة والبنوك. أما اليوم، فقد صارت الخوارزميات والمنصات الذكية والبيانات الشخصية هي الأسلحة الجديدة.

فشركات التكنولوجيا الكبرى لم تعد مجرد مزوّدين لخدمات تقنية، بل تحوّلت إلى فواعل سياسية عالمية، تُمارس نفوذًا غير معلن، وتشارك فعليًا في صياغة السياسات، وتوجيه الرأي العام، بل وفي تغيير نتائج الانتخابات أحيانًا.

الشركات التي تجاوزت الدول

شركات مثل Google، Meta (Facebook)، Apple، Amazon، وMicrosoft أصبحت تملك من النفوذ والموارد ما لا تملكه كثير من الدول:

  • تتحكم بالمعلومة: من يُشاهد ماذا؟ ومن يُسمَح له بالظهور؟
  • ترصد وتخزّن السلوك البشري عبر مليارات الأجهزة والتطبيقات.
  • تُدير البنى التحتية الرقمية التي تعتمد عليها الحكومات والمؤسسات الدولية.
  • تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة للتوجيه والتنبؤ وصناعة "الواقع المعزول" لكل فرد.

هذه السيطرة ليست فقط اقتصادية أو تقنية، بل إيديولوجية وسياسية في جوهرها.

كيف يمارس لوبي التكنولوجيا نفوذه الخفي؟

  1. الرقابة الناعمة على الخطاب العالمي
    المنصات الرقمية تتحكم بما يظهر وما يُخفى. سواء عبر الخوارزميات أو سياسات الحظر أو ترويج سرديات معينة على حساب أخرى، أصبحت هذه المنصات تمارس ما يُسمّى بـ"الرقابة الموجهة".

  2. تشكيل وعي الأفراد
    عبر التلاعب في ترتيب المحتوى، وعبر تخصيص المعلومات حسب الاهتمامات، تنشئ الشركات فقاعات معرفية تخلق واقعًا مختلَفًا لكل فرد، مما يُضعف التفكير النقدي ويُسهّل التحكم بالاتجاهات النفسية والاجتماعية.

  3. التدخل في السياسات العامة
    الشركات الرقمية تضغط على المشرّعين، وتُغدق عليهم بالتمويلات، وتستثمر في جماعات الضغط (Lobbying) لحماية مصالحها ومنع أي تشريعات تحد من نفوذها.

  4. تغذية الاستخبارات الغربية
    لا يُخفى أن كثيرًا من هذه الشركات، خاصة الأميركية، تُعتبر خزّانًا للمعلومات التي تُستخدم لاحقًا في تحليلات أمنية وسياسية.
    فضيحة PRISM مثلًا كشفت تعاون شركات كبرى مع وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) للتجسس على مواطنين وزعماء عالميين.

الوجه المزدوج للتقنية

تتحدث هذه الشركات عن "الحرية الرقمية"، و"تمكين الأفراد"، لكنها في الواقع تمارس:

  • احتكارًا معرفيًا يجعل من الصعب وجود بدائل حقيقية.
  • استغلالًا اقتصاديًا للبيانات عبر الإعلان والتنبؤ السلوكي.
  • تلاعبًا خفيًا باتجاهات الرأي العام عبر توصيات خوارزمية غير شفافة.

فهي تصنع القفص... وتبيعك وهم الحرية داخله.

هل يمكن تحجيم هذا اللوبي؟

محاولات تفكيك هذا النفوذ ما تزال محدودة. بعض الحكومات بدأت بسنّ قوانين خصوصية (مثل اللائحة الأوروبية GDPR)، والبعض الآخر طالب بتفكيك الاحتكارات، لكن:

  • لا تزال الشركات أسبق بخطوة تكنولوجيًا.
  • وغالبًا ما تتعاون الحكومات مع هذه الشركات بدلًا من مواجهتها.

لذلك، يبقى التحدي الحقيقي: كيف نبني وعيًا جمعيًا يُدرك خطورة هيمنة التقنية عندما تكون بيد قلة غير منتخبة؟

خاتمة

لوبي التكنولوجيا هو أخطر اللاعبين الخفيين لأنه لا يُرى، ولا يُمسك، ويُقدّم نفسه كصديق ذكي. لكنه في العمق، يُعيد تشكيل العالم وفق مصالح شركات، لا وفق مصالح المجتمعات. وما لم ندرك ذلك، فإننا سندفع ثمن حريتنا... بنقرة موافقة على "الشروط والأحكام".

سلسلة: اللاعبون الخفيون في السياسة العالمية

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.