
ليست الحروب، بالنسبة لها، مأساة يجب إيقافها، بل "فرص نمو" يجب الحفاظ على استمراريتها. هذه الشركات لا تنتظر الأزمات لتبيع، بل تساهم في صناعتها—بهدوء، بدهاء، وبآليات لا تُرى في نشرات الأخبار.
حين يتحوّل السلاح من "دفاع" إلى "اقتصاد"
تُقدّر قيمة سوق السلاح العالمي بأكثر من 600 مليار دولار سنويًا، تسيطر الولايات المتحدة وحدها على قرابة 40% منه، تتبعها روسيا، ثم فرنسا، والصين، وبريطانيا.
لكن خلف هذه الأرقام، تختبئ منظومة نفوذ تشكّل ما يُعرف بـ"لوبي السلاح"، تحالف خفي بين:
- شركات تصنيع الأسلحة (Lockheed Martin، Raytheon، BAE Systems…)
- لجان في الكونغرس والبرلمانات الغربية
- مراكز أبحاث وصناعة قرار
- وسطاء دوليين يعملون في الظل
تصنيع الخطر... لتبرير التسليح
من أبرز تكتيكات لوبي السلاح هو صناعة العدو أو تضخيم التهديد، سواء كان حقيقياً أو وهمياً. تُستخدم أدوات الإعلام، ومراكز الأبحاث، وتقارير "الاستخبارات" لإقناع الرأي العام والحكومات بأن هناك "خطرًا داهمًا" يستدعي إنفاقًا عسكريًا ضخمًا.
سواء كان التهديد من:
- جماعة إرهابية عابرة للحدود،
- دولة "مارقة" تطوّر برنامجًا نوويًا،
- أو حتى "احتمالات تهديد" في المستقبل...
يتم تضخيم الحدث، تمهيدًا لعقود التسليح.
الحرب ليست نتيجة... بل منتج
في حالات كثيرة، لا تكون الحروب نتيجة لصراع، بل نتيجة لطلب السوق.
عندما يتراجع الإنفاق العسكري في منطقة ما، تدفع شركات السلاح باتجاه:
- دعم نزاعات إقليمية تُحرّك السوق،
- تسليح طرفَي النزاع أحيانًا لضمان الاستمرارية،
- الضغط السياسي لإشعال توتر حيث يوجد ركود في الصفقات.
ولعل أبرز الأمثلة:
- الحرب في اليمن، حيث لعبت شركات السلاح الغربية دورًا في تسليح جميع الأطراف.
- أوكرانيا وروسيا، التي تحوّلت إلى سوق تجريب للأسلحة المتطورة.
- "الحرب على الإرهاب" التي استُثمرت لتبرير تريليونات من الدولارات لعقود التسليح.
دوائر النفوذ والرشاوى المقنّعة
لوبي السلاح لا يعمل فقط بالصفقات، بل بالنفوذ السياسي المباشر. بعض أعضاء الكونغرس الأميركي يتلقّون ملايين الدولارات كتبرعات انتخابية من شركات الأسلحة، ثم يصوّتون لصالح ميزانيات الدفاع.
هذا الترابط البنيوي يُنتج ما يُسمى بـ"مجمع الصناعات العسكرية"—وهي منظومة مغلقة لا مخرج منها:
مزيد من التسلح ← مزيد من التوترات ← مزيد من الحروب ← مزيد من الأرباح.
الإعلام كبوق للحرب
عند كل أزمة، نسمع التحريض يتصاعد في الإعلام الغربي:
"الخطر الإيراني"، "تهديد كوريا الشمالية"، "صعود الصين العسكري"، إلخ.
كثير من الأصوات التي تُروّج لهذا الخطاب تعمل لحساب شركات أو مراكز تتلقى تمويلاً مباشراً من لوبيات السلاح.
هل ممكن الخروج من هذه المنظومة؟
من الصعب تفكيك لوبي السلاح ما دام الاقتصاد العالمي نفسه يستند جزئياً إلى الحروب والصراعات.
البديل الحقيقي لا يكمن فقط في نزع السلاح، بل في نزع منطق الربح من الحرب، وهذا ما تصطدم به كل محاولات الإصلاح.
خاتمة
لوبي السلاح لا يبيع أدوات القتل فقط، بل يبيع الحروب نفسها. إنه لاعب خفي، يحوّل الجغرافيا إلى مختبر للتجارب، والبشر إلى أرقام. وإن لم يُفضح هذا اللوبي، ويُكسر احتكاره للقرار، فستظل الحروب هي القاعدة، والسلام هو الاستثناء.