اللاعبون الخفيون - الاقتصاد والتمويل: البنك الدولي وصندوق النقد: كيف يُدار العالم بالدَّين؟

في الظاهر، يقدّم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نفسيهما كـ"مؤسسات إنقاذ" للدول التي تعاني من أزمات اقتصادية، لكن خلف هذا الخطاب الإنساني، تقف منظومة مالية تحكم قبضتها على اقتصاديات الدول، وتمارس نفوذًا خفيًا يعيد تشكيل السياسات والأنظمة وفق منطق الربح لا العدالة.

إنهما، ببساطة، يُديران العالم لا من خلال الاحتلال أو الجيوش، بل عبر القروض المشروطة—أخطر أنواع السيطرة.

نشأة الهيمنة: بريتون وودز وميلاد لاعب غير منتخب

تأسّس كل من البنك الدولي وصندوق النقد بعد الحرب العالمية الثانية ضمن "اتفاقيات بريتون وودز"، ostensibly لإعادة إعمار أوروبا ومنع الأزمات المالية.
لكن ما لبثت هذه المؤسسات أن تجاوزت دورها المؤقت، لتصبح أداة دائمة للسيطرة المالية، يديرها عدد محدود من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

  • الولايات المتحدة تملك حق الفيتو الضمني في قرارات صندوق النقد.
  • المديرون التنفيذيون يُعيّنون وفق توازنات سياسية، لا وفق كفاءة أو انتخاب.

القروض ليست دعمًا... بل وسيلة تحكّم

عند وقوع دولة في أزمة، تلجأ إلى صندوق النقد أو البنك الدولي. لكن هذه القروض لا تُمنح مجانًا، بل تأتي بشروط صارمة تُعرف بـ"برامج الإصلاح الهيكلي"، من أبرزها:

  • خصخصة القطاع العام، ما يؤدي إلى بيع أصول الدولة بأثمان زهيدة.
  • خفض الدعم الحكومي، مما يُثقل كاهل الطبقات الفقيرة.
  • فتح السوق أمام الاستثمارات الأجنبية دون ضوابط، ما يُفقد الدولة سيادتها الاقتصادية.
  • تحرير سعر العملة، ما يخلق تضخمًا داخليًا قاتلًا.

النتيجة؟
تفقد الدولة سيطرتها على مواردها، وتدخل في دائرة مديونية دائمة، تُعيد إنتاج التبعية بدلًا من تجاوزها.

أمثلة على الدول الخاضعة

  • الأرجنتين: دخلت في أكثر من 20 برنامجًا مع صندوق النقد، انتهت جميعها بأزمات ديون متكررة.
  • مصر: خضعت لعدة برامج شملت تقليص الدعم وتحرير العملة، ما أدى إلى موجات تضخمية وفقدان القدرة الشرائية.
  • اليونان: فرضت عليها "ترويكا" أوروبية برامج تقشف قاسية مقابل إنقاذ مالي، مما دمّر القطاع العام ورفع البطالة.

الوجه الآخر: البنك الدولي كمُهندس للبُنى الفكرية

البنك الدولي لا يقدّم فقط قروضًا، بل ينتج "معرفة اقتصادية معيارية"—أي أنه يُحدّد ما هو "صحيح اقتصاديًا" من خلال تقاريره ونماذجه، ويضغط على الدول لتطبيق سياسات معيّنة كأنها "حقائق علمية"، بينما هي في جوهرها اختيارات إيديولوجية تخدم مصالح السوق الحرّ.

ما لا يُقال في الإعلام

  • لا يُشار كثيرًا إلى أن أرباح المؤسسات المالية من الفوائد ضخمة، وأنها تجني من أزمات الدول ملايين الدولارات.
  • كما أن العديد من خبراء الاقتصاد الذين يظهرون كـ"مستشارين مستقلين"، يعملون أصلًا في وظائف استشارية لهذه المؤسسات.

هل الإصلاح ممكن؟

نظريًا، يمكن إصلاح هذه المؤسسات، لكن:

  • مراكز القرار فيها محتكرة.
  • البدائل الدولية (مثل بنك التنمية الصيني أو "البريكس") ما زالت غير قادرة على تقديم نموذج مضاد متكامل.

خاتمة

البنك الدولي وصندوق النقد ليسا مجرد مقرضين، بل أدوات لتوجيه سياسات الدول، تُملي شروطها باسم "الإنقاذ"، لكنها تصوغ مستقبل الشعوب بما يخدم مصالح الأقلية العالمية.
وما لم يتم فضح هذا النموذج وتفكيك منطقه، فسيظل الاستعمار المالي قائمًا، بأسماء جديدة... وبدون جيوش.

سلسلة: اللاعبون الخفيون في السياسة العالمية

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.