
تلك البنوك العابرة للحدود مثل JPMorgan Chase، Goldman Sachs، Citigroup، وHSBC، لا تكتفي بإدارة الثروات، بل تشارك فعليًا في إدارة العالم—من خلال التحكم بتدفقات المال، والتأثير على السياسات، وتمويل الحروب، والتلاعب بالأسواق.
البنوك العملاقة كفاعلين سياسيين
عندما تقرّر حكومة ما اعتماد سياسة اقتصادية جديدة، كثيرًا ما يكون الدافع الحقيقي خلف القرار هو رد فعل السوق، الذي تتحكم فيه تلك البنوك الكبرى عبر:
- سحب الاستثمارات أو ضخّها.
- تقييم التصنيف الائتماني للدولة.
- إصدار تقارير "ثقة السوق".
- إدارة الدين السيادي من خلف الستار.
وبذلك تُصبح الدولة خاضعة لمنطق "رضا الأسواق"، أي رضا البنوك، وإلا واجهت الانهيار المالي.
من مستشارين إلى صنّاع قرار
كثير من كبار التنفيذيين في هذه البنوك يشغلون مناصب عليا في الحكومات الغربية، أو العكس. أبرز الأمثلة:
- هنري بولسون، رئيس سابق لـ Goldman Sachs، أصبح لاحقًا وزير الخزانة الأميركي.
- ماريو دراغي، شغل منصب نائب في Goldman Sachs قبل أن يصبح رئيسًا للبنك المركزي الأوروبي.
- كثير من مسؤولي البنوك العالمية يشاركون في منتديات مثل دافوس ومجموعة بيلدربيرغ، حيث تُصاغ السياسات الاقتصادية العالمية.
وهذا التداخل يخلق دوّامة نفوذ مغلقة: البنك يمول، ثم يُقرض، ثم يُستشار، ثم يُشرّع.
الأزمات المفتعلة: بين انهيارات وهمية وفرص استحواذ
الأزمة المالية العالمية 2008 مثال صارخ على نفوذ هذه البنوك:
- كانت البنوك الكبرى مسؤولة عن تسويق أدوات مالية عالية المخاطر.
- حين انفجرت الفقاعة، تم إنقاذها بأموال دافعي الضرائب عبر خطط إنقاذ حكومية.
- ثم استخدمت هذه الأموال نفسها لشراء أصول بأسعار منخفضة، أي أنها ربحت من الأزمة التي صنعتها.
وهكذا، أصبحت الأزمات الاقتصادية فرصًا استراتيجية لإعادة توزيع الثروات عالميًا، من الطبقات الفقيرة إلى المؤسسات المالية الكبرى.
غسيل الأموال وتمويل الحروب
تقارير عديدة كشفت عن تورط بنوك عالمية في:
- غسيل أموال لعصابات المخدرات (كما في فضيحة HSBC).
- تمويل شركات تصنيع السلاح التي تزود أطراف نزاعات دامية.
- نقل أموال خفية إلى جنّات ضريبية تُستخدم لاحقًا لتمويل أنشطة سياسية أو عمليات تجسس اقتصادي.
وهذا يعني أن البنوك ليست فقط محايدة، بل جزء من شبكات النفوذ الخفي التي تُعيد تشكيل العالم.
هل من رقيب؟
رغم وجود ما يسمى بـ"الرقابة المصرفية"، إلا أن البنوك العملاقة غالبًا:
- أضخم من أن تُحاسب (too big to jail).
- تُغرم بمبالغ رمزية مقارنة بأرباحها، كما حصل في فضائح التلاعب بالأسعار.
- تمتلك جيشًا من المحامين واللوبيات داخل الحكومات.
خاتمة
في عالم المال، لم تعد الحكومات هي من تحكم، بل من يملك القدرة على تحريك الأموال عبر الحدود.
البنوك العملاقة ليست مجرد مؤسسات تمويل، بل حكومات ظلّ مالية، لا تخضع لانتخابات، ولا تُحاسب، لكنها تكتب السياسات وتُسقط الحكومات... بصمت.