
من البذور إلى المائدة: حلقة احتكار مغلقة
احتكار البذور وتدمير السيادة الزراعية
تسيطر شركات مثل Monsanto (المملوكة حاليًا لشركة Bayer)، وCorteva، وSyngenta على أكثر من 70% من سوق البذور المعدلة وراثيًا عالميًا. تُجبر الفلاحين على استخدام بذور مرخصة لا تُعاد زراعتها، مما يُنهي تقاليد الزراعة الحرة ويحوّل الفلاحين إلى مستأجرين دائمين لدى الشركات.
عبر قوانين "براءات الاختراع"، يُمنع تبادل البذور أو حفظها، مما يُبقي المجتمعات الزراعية في حالة تبعية دائمة.
المبيدات والأسمدة: دورة إدمان صناعي
الشركات التي تبيع البذور تفرض معها استخدام مبيدات وأسمدة تُناسب تلك البذور فقط، مما يؤدي إلى:
- تدمير التربة وتراجع التنوع البيولوجي.
- رفع تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل مستمر.
- جعل المزارع معتمدًا بالكامل على هذه الشركات في كل موسم.
أمثلة واقعية على الهيمنة الزراعية
- الهند: انتحر آلاف الفلاحين في العقدين الأخيرين بسبب الديون الناتجة عن الاعتماد على بذور "مونسانتو" ومبيداتها.
- الأرجنتين: ارتفاع معدلات السرطان في المناطق الزراعية بسبب الاستخدام المكثف لمبيدات الغليفوسات.
- أفريقيا: تُفرض برامج "الزراعة الذكية" بتمويل من Gates Foundation وUSAID، والتي تمهّد عمليًا لاستبدال الزراعات التقليدية بإنتاج موجّه للأسواق الدولية.
من المزارع إلى الأسواق: سلاسل غذاء تحت السيطرة
تُهيمن شركات مثل Nestlé، PepsiCo، Cargill، Unilever، وDanone على إنتاج وتوزيع ملايين المنتجات الغذائية حول العالم. تُصنع المنتجات وفق معايير الربح، لا الجودة أو القيمة الصحية.
- نسبة عالية من السكريات، الزيوت المهدرجة، والمواد الحافظة.
- ترويج مكثّف للأطعمة الفقيرة تغذويًا والغنية بالسعرات.
- استهداف مباشر للأطفال والفئات الفقيرة عبر الإعلانات والرعاية الرياضية.
تبعية الأسواق والدول
نتيجة هذه الهيمنة، تتحوّل الدول النامية إلى أسواق مستهلكة، وتُدمّر نظمها الغذائية التقليدية:
- دعم المنتجات الصناعية المدعمة يخنق المزارعين المحليين.
- تُفرض على الشعوب خيارات محدودة من المنتجات، بأسعار ثابتة تخدم الشركات.
- يُستخدم الغذاء أداة ضغط سياسي: وقف صادرات، فرض شروط، أو تسويق منتجات معدلة جينيًا عبر اتفاقيات قسرية.
أمثلة إضافية:
- هايتي: أُجبرت على فتح أسواقها أمام الأرز الأمريكي المدعوم، مما دمر زراعة الأرز المحلي.
- النيجر والساحل: تُمنع زراعة محاصيل مقاومة للجفاف مقابل استيراد مساعدات غذائية.
- مصر: تحت ضغط المؤسسات الدولية، تراجعت الدولة عن دعم الفلاحين لصالح سياسات استيراد الغذاء.
استراتيجيات التوسع والاحتكار
- الاندماجات والاستحواذات: تقلصت المنافسة في السوق العالمي، لتبقى حفنة من الشركات تسيطر على قرارات الإنتاج والتسعير.
- التحكم في الموارد: تمتلك الشركات مساحات شاسعة من الأراضي، ومخازن، ومصانع، وشبكات توزيع، ما يمنحها قوة مفرطة.
- النفوذ السياسي والمالي: عبر الشراكة مع مؤسسات كالبنك الدولي وصندوق النقد، تُؤثّر على السياسات الزراعية للدول الضعيفة.
أثر ذلك على الشعوب والدول
- فقدان السيادة الغذائية: حين لا تستطيع الدول إنتاج غذائها أو التحكم في استيراده، فهي تفقد أحد أهم عناصر سيادتها.
- تهميش الزراعة التقليدية: تُستبدل الزراعات المحلية بزراعات تصديرية، فتُستخدم الأرض للربح لا لإطعام أهلها.
- أزمات صحية متصاعدة: أمراض العصر (السكري، السمنة، أمراض القلب) مرتبطة مباشرة بنمط غذائي تفرضه هذه الشركات.
- تلاعب بالمعلومات الصحية: تتواطأ شركات الأغذية أحيانًا مع جهات صحية لتقليل التركيز على أضرار منتجاتها أو التلاعب بالمكونات.
خاتمة
شركات الغذاء الكبرى ليست فقط مصنّعًا للمنتجات، بل هي آلة سياسية واقتصادية تُعيد صياغة علاقة الإنسان بطعامه وأرضه، وتحوّل الحق في الغذاء إلى سلعة مرهونة بالربح والتحكم.
من البذور إلى المائدة، ومن الفلاح إلى المستهلك، أصبحت خيوط السيادة الغذائية في يد شركات عابرة للحدود، لا تعرف من حدود سوى الربح.