الشرعية تحت الأنقاض: من يحمي إسرائيل من العدالة الدولية؟

في كل مرة تُقصف فيها غزة، لا تنهار فقط المباني والبنية التحتية، بل تتهشم معها شرعية النظام الدولي نفسه. إذ لم تعد الجرائم تُخفى، ولا الصور تُمنع، ولا الحقيقة قابلة للتعتيم. ومع ذلك، لا تُحاسب إسرائيل. هنا يتكشف سؤال جوهري لا يمكن تجاوزه: من يحمي إسرائيل من العدالة؟ ولماذا تبدو القوانين الدولية عاجزة عند حدود فلسطين؟

القضاء الدولي: آلية مُعطّلة حسب الهوية

تقدمت جنوب أفريقيا مؤخرًا بدعوى تاريخية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. لكن رغم جدية الدعوى، والأدلة الدامغة، بقيت إسرائيل فوق المساءلة، محمية بشبكة من النفوذ والضغوط التي تحوّل حتى المحكمة الدولية إلى ساحة صراع سياسي، لا إلى منصة عدل.

الواقع أن القانون الدولي، بقدر ما يبدو شامخًا على الورق، يُفرَغ من مضمونه عند أول اختبار حقيقي مع دول "محصّنة". هذه الحصانة لا تُمنح بالحق، بل تُمنح بالقوة، وهي ما يجعل إسرائيل بمنأى عن كل التبعات.

من يوفر الحماية؟ خارطة التحالفات لا القوانين

الحماية ليست نتيجة صمت المجتمع الدولي فحسب، بل بفعل مباشر من القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. فكل تحقيق يُجمّد، وكل قرار في مجلس الأمن يُجهَض، وكل خطوة نحو العدالة تُحاصَر.

هذه القوى لا تدافع عن إسرائيل لأنها على حق، بل لأنها تخدم دورًا استراتيجيًا ضمن منظومة الهيمنة العالمية. إسرائيل ليست فقط "حليفًا"، بل أداة جيوسياسية لتثبيت التفوق الغربي، وضمان أن لا تنهض المنطقة خارج الإطار المُرسوم لها.

المجازر تُشرعن عبر الإعلام والمنظمات

من يحمي إسرائيل لا يكتفي بالدبلوماسية والفيتو، بل يستخدم أدوات ناعمة لتبرير القتل، أو على الأقل لصرف الانتباه عنه. الإعلام الغربي يلعب دورًا محوريًا في ذلك، حين يُحوّل مشاهد الإبادة إلى "أخبار أمنية"، ويُساوي بين القاتل والضحية في التغطية.

أما المنظمات الدولية، فكثير منها امتهن صناعة "القلق"، دون اتخاذ خطوات جادّة. وعندما يعلو صوت، يُخنق بتمويل مشروط أو حصار سياسي.

الشرعية الدولية في اختبارها الأكبر

في لحظة غزة، لم تُختبر فقط إسرائيل، بل النظام الدولي برمته. هل القانون يُطبق على الجميع؟ أم هو أداة بيد الأقوياء فقط؟ هل قيمة الإنسان تحددها جغرافيته وهويته؟ أسئلة باتت تفرض نفسها بحدة، ولم تعد ترفًا فكريًا.

الشرعية لم تعد مجرد نصوص، بل رصيد ثقة. وكلما استُثنيت إسرائيل من المحاسبة، كلما تآكل هذا الرصيد، واقتربت لحظة انهيار النظام العالمي من الداخل.

الخاتمة: العدالة المؤجّلة تخلّف انفجارًا

من يحمي إسرائيل اليوم قد لا يحمي النظام العالمي غدًا. فكل عدالة مؤجلة، وكل جريمة بلا حساب، تُراكم الغضب، وتفتح الباب أمام الردود غير المؤسسية. وإذا استمر هذا المسار، فإن الشرعية الدولية ستنهار تحت ذات الأنقاض التي صمتت أمامها... ووقتها، سيكون الثمن جماعيًا، لا على الفلسطينيين وحدهم.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.

✉️ 📊 📄 📁 💡