اغتراب الرفاهية: حين يتحوّل السلام الداخلي إلى قناع للهروب

وهم الاكتمال: هل النجاح الروحي نهاية الطريق أم بداية التناقض؟

في عالم تتكاثر فيه الأسئلة الوجودية وتتسارع وتيرة القلق، يُسوّق للنجاح الروحي كحلّ شامل، ونهاية مثالية لمشوار المعاناة البشرية. يُقدَّم في الخطب والكتب والدورات كأنّه حالة من التوازن المطلق أو ذروة النضج الإنساني. لكنّ المفارقة المؤلمة أنّ كثيرًا ممن يظنون أنفسهم قد "وصلوا" إلى تلك الحالة، يعودون ليعترفوا بشعور داخلي بالفراغ.
فلماذا، إذن، يعجز السلام الموعود عن أن يمنحهم الشفاء الحقيقي؟

السلام الداخلي... حين يتحوّل إلى إنكار أنيق

الحقيقة التي لا يحبّ كثيرون الاعتراف بها، هي أنّ ما يُروّج له بوصفه "تنويرًا روحيًا" قد لا يكون إلا شكلًا متطوّرًا من أشكال الهروب. السلام لا يكون دائمًا دلالة على التصالح، بل قد يتحوّل إلى حالة من الإنكار الهادئ. الصبر الروحي الممدوح قد يخفي خدرًا شعوريًا، والعزلة المختارة قد لا تكون إلا انكماشًا أنيقًا خارج صخب الحياة ومسؤولياتها.

من التأمل إلى التجميل: كيف تُختزل الروحانية في طقوس؟

ليست المشكلة في الممارسات الروحية ذاتها، بل في تحوّلها إلى أدوات استهلاكية. حين تُصبح هذه الممارسات مجرد طقوس مكرّرة، بلا عمق ولا مراجعة، تُنتج حالة من "الاكتمال الزائف".
التأمل الذي يُفترض أن يكون وسيلة للغوص في الذات، يُمارَس كأداء خارجي للتمايز. والمناهج التي يُفترض أن تفتح الوعي، تُحوَّل إلى وصفات نفسية تُباع في سوق التنمية الذاتية، فتفرغ من معناها.

سؤال الهروب: هل نطلب الروحانية لنتطوّر أم لنختبئ؟

هنا ينبثق سؤال مفصلي:
هل نمارس هذه الطقوس لأنّنا نريد وعيًا أعمق بالذات والعالم؟
أم لأننا نبحث عن ملاذ نُخفف فيه ثقل الحياة دون مواجهتها؟
الفرق كبير بين وعي يُعمّق إدراكنا بالفوضى والضعف والنقص، ووعي مُصمَّم بدقة ليكون جدارًا عازلًا عن الواقع.

الكمال المزيّف: حين تتحوّل الروحانية إلى عبودية جديدة

النجاح الروحي الذي لا يراجع نفسه يتحوّل إلى عبودية داخلية. عبودية الارتياح المصطنع، عبودية الطمأنينة التي لا تحتمل الأسئلة. فيبدو الممارس وكأنّه انتقل من قيد العالم الخارجي إلى قيد داخلي أشد قسوة، لكنه مغطّى بلغة النور والسلام والمحبة.

التحرر الحقيقي: معانقة النقص لا إنكاره

التحرر لا يعني الشعور الدائم بالسلام، بل القدرة على احتواء التمزّق والشكوك والصراعات.
أن نكون قادرين على النظر في الألم دون إنكاره، وعلى حمل التناقض دون تزييفه.
الوعي لا يجب أن يكون ستارًا يُخفينا عن معركتنا، بل نافذة نطلّ منها على أنفسنا بصدق.

الخاتمة: حين يصبح النجاح سؤالًا بلا جواب

في النهاية، لا يُقاس التحرر بما نُردّده من عبارات روحية، بل بما نتحمّله من عمق التجربة الإنسانية. وكل نجاح لا يجعلنا أكثر صدقًا، وأكثر انخراطًا في مسؤولية الوجود، هو نجاح مؤقّت... أو زائف.

سلسلة: اغتراب الرفاهية.. رحلة في العمق

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.