
هذه الممارسة التي بدأت كمقاطع طريفة على وسائل التواصل، تحوّلت بسرعة إلى منافسات منظّمة، تُقام لها بطولات وتُخصَّص لها جوائز ورُعاة، بل دخلت قنوات البث الكبرى من أوسع أبوابها. فماذا تخبرنا هذه الظاهرة عن شكل الترفيه في عصرنا؟ وما الذي يحدث عندما يصبح الألم البشري منتجًا جماهيريًا مربحًا؟
بين التحدّي والسقوط الأخلاقي
رياضة الصفعات (Slap Fighting) تقوم على قاعدة بسيطة: شخصان يتناوبان على توجيه صفعات قوية إلى وجهي بعضهما، دون حماية، ودون دفاع. كلما تحمل أحدهما الضربات أكثر، زادت فرص فوزه. وقد نشأت اتحادات رسمية مثل "Power Slap League" في الولايات المتحدة، بإشراف من شخصيات معروفة مثل دانا وايت (رئيس UFC)، مما منحها غطاءً "احترافيًا".
لكن المضمون الصادم لم يتغيّر: شخص يُضرب أمام الكاميرا حتى يترنّح أو يسقط، فيُصفّق الجمهور، وتُعاد اللقطة بالحركة البطيئة عشرات المرات.
أين الرياضة في ذلك؟
أين الشرف في صفعة دون دفاع؟
وأين التحدّي إذا كانت الفكرة كلّها قائمة على من يصمد أكثر أمام الألم؟
الترفيه كصناعة للأذى
هذه الظاهرة لا تنفصل عن تحوّل عميق في مفهوم الترفيه الجماهيري، حيث لم يعد يُكافأ الذكاء أو المهارة، بل المبالغة والانهيار. تمامًا كما تنتشر تحديات "الأكل الحارق"، أو مقاطع الحوادث، أو المقالب العنيفة، بات الإنسان في هذا النموذج يُختزل إلى مجرد جسد يُختبر تحمّله أمام عدسات الكاميرا.
لقد تحوّل الألم إلى "محتوى"، والسقوط إلى "مقطع فيروسي"، والوجه المنتفخ إلى "مادة دعائية". كل ذلك يُباع ويُستهلك تحت وهم "المتعة"، لكنه في جوهره استعراض لانحطاطنا الجمعي أمام شاشة.
الجسد كساحة استهلاك
في فلسفات الجسد، لطالما كان الإنسان يُقدَّر من خلال وعيه، مهارته، أخلاقه. لكن رياضة الصفعات تكسر هذا المبدأ: فهي تمجّد الخمول الذهني، وتنقل المنافسة من العقل إلى الخدّ.
ما يُكافَأ في هذه المنافسة ليس الذكاء، بل الجمود. ليس المهارة، بل القدرة على تحمّل الإذلال الصامت. إنها محاكاة حديثة لمصارعة العبيد في العصور القديمة، لكن بثوب عصري، وكاميرات 4K، وعقود رعاية.
ما الذي نضحك عليه بالضبط؟
عندما نشاهد رجلاً يُصفع حتى يسقط فاقدًا للوعي، ثم نضحك أو نصفّق، ما الذي نضحك عليه فعلاً؟
هل هو موقف الشخص؟ أم هشاشة الجسد البشري؟ أم أننا في الحقيقة نضحك على أنفسنا، على انحدارنا إلى استهلاك مشاهد تُغذّي غريزة التلذذ بالعنف، لا العقل ولا الروح؟
ما وراء الصفعة
هذه الظاهرة ليست مجرد رياضة مستحدثة، بل مرآة لمجتمع يزداد فيه الترفيه تفاهة، ويزداد فيه الجسد رُخصًا، ويُعاد تعريف البطولة على أنها القدرة على تحمّل الألم لا اجتنابه.
إنها تُذكّرنا بأننا بتنا نعيش في زمن "الصدمة المنظمة"، حيث لا يُطلب من الفرد أن يتأمّل أو يفكر، بل أن يندهش، يضحك، ثم ينسى... حتى الصفعة التالية.